السبت، 25 نوفمبر 2017

كيف تدخل الغابة (84) .. الاعتصام الايمان و الكفاح .. وعد بلفور مرة أخرى


بسم الله و الحمد لله

كيف تدخل الغابة (84 )
الوطن الذي لا وجيع له
الأعتصام الأيمان و الكفاح
وعد بلفور مرة أخرى
أين وصلنا وصدورنا مليئة برصاص الشرطة




بلفور مره اخرى .. معز المهل يكتب :

ان تسارع وتيرة الاحداث والغرابة التي تسير بها تفرض عديد الاستفهامات احيانا والاستهجان في بعضها الاخر ...
وقراءة المشهد تقول بأن ترتيبات افضت لأن يقابل قيادي بالاعتصام مدير مكتب الرئيس عمر البشير كأكبر خطوة في خلال مسيرة الاعتصام ان يكون اللقاء في القصر الجمهوري كتوطئة لمقابلة رئيس الجمهورية عمر البشير ...
قناعة توصل لها قادة الاعتصام ان الحل لن يكون الا بأستصدار قرار سياسي من الرئيس عمر البشير او نائبه بكري حسن صالح .. فقلد ثبت ان كل ما دونهما من لقاءات وقرارات ماهي الا تخدير وتسويف ينتهي بنهاية اللقاء ...
وفي ذات السياق كانت مبادرة شيخ مختار والطيب الجد وقد توجت بأتصال هاتفي من الطيب الجد بالرئيس عمر البشير .. وحديث عن قضايا الجريف شرق .. وهو اتصال سبقته ترتيبات مكتب الرئيس بمواعيد سفره الي يوغندا و من بعدها زيارة مدني  ...
كلها ترتيبات تؤكد بان مقابلة الرئيس عمر البشير هي الوجهة .. وقد اصبحت غاب قوسين او أدنى .. ثم تتوالي الأحداث بصوره أكثر غرابة .. من مسرحية استفزاز اهالي أم دوم .. و دخول قوات الشرطة .. والافراط في استخدام الذخيرة الحية ..  دون ان يكون هناك تحرك لقيادات المنطقة والقيام بدورها .. متناسين ان يكون هناك يوم للحساب لكل من قصر في واجبه  ...

نعم تسارعت الاحداث بصوره دراماتيكية و حمله مسعورة حتى من اعلام محلية شرق النيل .. حينما اصدر صحيفته الشهرية الأخيرة و امتد لدرجة ان طلب مسؤول الاعلام بالمحلية فرصة الحديث لأحدى الاذاعات .. بان تمنحه مساحة زمنية اضافيه .. تحدث من خلاله عن زيرو كماين كإضافة ل ثلاثة زيروهات هي برنامج الوالي ل مائة يوم  .. وكأنما الوالي فاتت عليه هذه اللآت الثلاثة  ...
وتنتهي الاحداث بلقاء مساعد المعتمد .. وهنا يظهر الفرق بين من عركته التجارب و التخادير  .. وبين من جلس الي مساعد المعتمد مع كامل أحترامنا لشخص مساعد المعتمد  .. ولكن تبقى الصلاحيات الكبرى هي مفتاح الحل  ...

اما من جلس الي مساعد المعتمد و حسب المخرجات التي تضاربت الاقوال حول من حركها او ادعى تحريكها .. فانه كان يفترض بهم  الإشارة لأفراط أطلاق قوات الشرطة الرصاص .. ولمدة يومين ومن ثم التذكير بالجرحى و كيفية ان يتم ذلك  ...

اما الحديث عن توقيف الكمائن ووو  .. فالاعتصام به من يجيد التحدث ومناقشة الحيثيات في كل القضايا .. لأن أي حديث لا يصب في مصلحة القضايا قطعا سيحرج من تحدث به .. وهذا بحسب بيان يقول بان الاتفاق تم حول ايقاف الكمائن و عقوبات تطال عربات نقل الطوب والعمال ووو ..

وبمثل ما كانت أشادتنا لصمود الشباب .. وهم يقابلون الرصاص الذي اخترق صدورهم .. فان الواجب يحتم علينا ان نشيد بنخوة عصام الجمل وحمد النيل شرف الدين ومنتصر محمد وتحركهم وتواجدهم بالمستشفيات ولساعات متأخرة من الليل ومساهمتهم المادية من باب من لا يشكر الناس لا يشكر الله .. و لعمري هي وقفة جعلت الاهالي لا يشعرون بغياب القيادات التنفيذية والتشريعية  .. ولكن يبقى الجلوس الي مساعد المعتمد مع من جلس  .. تفرض اعادة الاوراق فالقرار السياسي هو الحل  ...
كل التحايا لقيادات اللجان الشعبية التي استهجنت وادانت الاحداث .. مما دعاها لتقديم استقالات كل من الامين محمد المهدي و عادل السيد عبد الحكم و لطفي الطيب و علي عبد الحكم و صالح الفاضل الذي كان شاهد عيان علي افراط قوات الشرطة في استخدام القوة و الرصاص الحي ...

ما بين مزرعة عصام الشيخ حيث الاتفاق ع 10 الف قطعه سكنيه للأهالي  و منزل عصام الجمل  .. حيث ايقاف الكمائن  .. و حديث اعلام المحلية زيرو كمائن .. ثم حديث هجين عن قيام مدينة النيل الازرق فالمصير التهجير  .. ولم تتبقى الا فترة زمنية .. و نعيد مقولة الشاعر الفلسطيني :
انا من صفدي .. سرقوا بلدي المحتل فلسطين ...
ليتهم اجتمعوا حول تفعيل القانون  ...
ليتهم سالوا عن من اصدر التعليمات للقوات بالإفراط في استخدام القوة ...
ليتهم أصدروا أستهجان حيال الاحداث الأخيرة و بحثوا عن مفتعليها .. فالفتنه نائمة لعن الله من أيقظها ...
ليتهم توجهوا نحو الرئيس او نائبه وبمعيتهم مساعد المعتمد حتى تفتح لهم أبواب الوزارات  ...
ليتهم لم يجتمعوا و تركوا مبادرة مقابلة الرئيس هي المخرج  .. وبرغم قرار الإزالة في ذلك اليوم  ...
ليت المعتمد ومن اجتمعوا وضعوا ايديهم و تقدم الركب تجاه القصر الجمهوري وتوحيد الرؤية ..  لا أن تختزل قضايانا بمخرجات ركزت علي ايقاف الكمائن فقط  ...

نعم أصبح الاعتصام أيمانا راسخا في الحنايا  .. وإن أصغر طفل يجيد قراءة الاحداث .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد بـ أراضي الجريف شرق    ... 

 ( نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا  ) ..

--------------------------------------

التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي

المناضلين عن الحق و العرض والأهل  ...

--------------------------

اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم   ...

في رحاب الله الشهيد أخي (أحمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا   ...

-------------------------

وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم باعو) الشهير بـ ( الغول ) عليه رحمة الله ... ( مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد  ) ...



محمد باعـــــــــــــــــــــو

25/2017/11


الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

كيف تدخل الغابة (83) .. ذكرى معركة شيكان .. الغابة تحتفي بنصر المهدي



بسم الله و الحمد لله

كيف تدخل الغابة (83 )
الوطن الذي لا وجيع له
الواقعة التاريخية الكبرى
غابة شيكان تحتفي بنصر المهدي
المعركة التي أذهلت الأنجليز و العالم حتى اللحظة

وقف اللورد (فتز مورس) حزيناً في مجلس اللوردات البريطاني وهو يقول :

- لعلّ التاريخ لم يشهد .. منذ أن لاقى جيش (فرعون) نحبه في البحر الأحمر كارثة .. مثل تلك التي حلّت بجيش هكس في صحاري كردفان .. حيث أُفني عن آخره .. وقضي عليه قضاءً مبرماً من قبل المهدي ) ..





معركة  شيكان – 5 نوفمبر 1883

قررت الحكومة البريطانية تجميع فلول جيش (عرابي) للتحرك إلي السودان والقضاء علي الدولة المهدية .. وكانت القيادة مشتركة مصرية بقيادة (علاء الدين باشا) و(سليمان باشا)  وبريطانية بقيادة (هكس باشا) ..  وفي يوم 27/9/1883م تحركت القوات المشتركة حتى وصلت الخرطوم ومنها إلي (كردفان) ( الأبيض) ..
ومن جهة أخرى فقد اتخذ (المهدي) ترتيبات تشتمل علي وضع العراقل في الطريق .. وتكوين فرق لإزعاج القوات البريطانية مسلحين بالأسلحة النارية .. بقيادة (محمد عثمان أبو قرجة) وأمر أيضاً بترحيل القبائل التي تقع في طريق الحمرة .. وردم الآبار .. وبذلك شحت الموارد وانهارت المعنويات وساءت أحوال الجيش الانجليزي المصري .. وكانت هذه مقدمة الهزيمة  ..
استدرج الأنصار القوات البريطانية إلي غابة شيكان .. وعند وصول القوات البريطانية المصرية الي الغابة .. والتي كانت القوات المهدية يتمركزون فيها في خنادق فوق الأشجار ووسط الحشائش في شكل فخ وكماشة .. وفي فجر يوم 5/11/1883م بدأت المعركة واظهر الأنصار القدرة العسكرية والقيادية .. وتمكنوا من اغتنام الكثير من الأسلحة .. وتمكنوا بعد ذلك من فتح دارفور وبحر الغزال .




ام المعارك شيكان:

وقعت معركة شيكان فجر يوم الإثنين 5 نوفمبر 1883م .. وقبل أن يعلن المؤذن صلاة الفجر يوم الاثنين 5 نوفمبر 1883م .. انطلق (حمدان أبوعنجة) على صهوة جواده متبختراً أمام صفوف الرأيات الحمراء و الخضراء و الزرقاء وينشد بصوته الجهوري..
وعندما حاذت صفوف الراية الزرقاء مكان المهدي عليه السلام .. هتف حمدان: «الخير قرّب» .. فابتسم (الإمام المهدي) وأجاب: صدقت يا حمدان ـ الخير قرّب..

ثم يرتفع النداء - ان الله اكبر- ويقوم المهدي مخاطبا جموع الفرسان الاماجد – باعثا الحماسة في الفرسان و المقاتلين .. وأشتدت الحماسة وهمهمات المقاتلين وصيحات الله اكبر تسد أذان الآفاق .. ومن ثم يرتفع آذان معلنا صلاة تقربا لله سبحانه وتعالي .. و الظلام مازال يخيم ولا تسمع سوى أصوات وهمهمات بالتسبيح و التكبير .. ثم يقوم (المهدي) الى الصلاة ..  فيصطف الأشاوس الفقراء صفا بصف و كتفا بكتف  .. ويؤم المهدى الجموع المشتاقة للقاء الأعداء .. وصلى بهم ركعات للنصر والفوز .. كانت صلاة وابتهالات وصفت بانها الاطول والاجمل ما بين دمعات تزرف شوقا للقاء الاعداء واخرى تزرف فرحا بقرب الخلاص ..
الله اكبر – الله اكبر – الله اكبر .. وأصوات تردد النصر لنا .. وعلى أضواء بعض النيران القليلة المشتعلة وقليل جدا من اضواء باهتة لفجر خافت زاحف مقتلع أعمدة ظلام الليل .. جلس (المهدي) يعيد الخطط مع قواده .. وكان ذلك هو اليوم الموعود.
ووقف المهدي تحت تبلدية غرب غابة (شيكان)، تمرّ به صفوف الرايات العسكرية، في طريقها لتأدية صلاة فجر الإثنين 5 نوفمبر .. جيوش كثيفة تسد الأفق .. كأنما تسرد قصة تقرأ على أشعة القمر ..
اصطفت الجيوش للصلاة بحسب توزيعات المهدي لقواده .. على اليمين الراية الزرقاء... تجيل كتائبها  همهمات النصر و التكبير بقيادة الامير (يعقوب) ... على اليسار الراية الحمراء تتخللها همهمات النصر و التكبير .. بقيادة (عبد الرحمن النجومي) و(مكين ود النّور) و(ميرغني سوار الذهب) و(الياس أم برير) .. وفي الوسط الراية الخضراء .. وتكبيرها يسد آذان الأفق .. بقيادة (موسى ود حلو) و (البشير عجب الفيّة) و(قرشي ود أحمد) و(محمد إبراهيم الهديلة) و(إبراهيم أبو عاشة) و(سراج الدين أبو خويدم) و(عبد القادر ود مديح) و(جاد الله ود بليلده) و(أبوبكر عامر) . رحمهم الله جميعا ..
وتماوجت الصفوف خلف الإمام المهديّ، وقوفاً وركوعاً وسجوداً .. لأداء صلوات النصر وصلاة الفجر ..
وفي إفادة الشيخ (محمد آدم) ..  وهو شاهد عيان علي معركة شيكان .. «كان يوم الأثنين 5 نوفمبر يوم حار .. وقد كانوا خلف (المهديّ) رحمه الله خلقاً  لا يعدّ ولا يحصى .. منهم من يبكي متشوّقاً للقاء ربّه .. ومنهم من يَنِمّ ..ومنهم من يسبح .. ومنهم من يكبر ..  ومنهم من يتكلّم بالترجمة السريانية».
أما جيوش الغزاة الأجانب ..  وقوات الاحتلال ..  فكان مظهرها مثيراً للرهبة .. و التعب باديا عليهم من عدم النوم و التعب وقلة المياه ..  وقد تسلّحت بمدافع «كروب»  .. ومدافع «نوردفلدت» .. ورشاشات «مترليوز»  .. وبنادق «رمنجتون».
وكان يقودها الجنرال الإنجليزي (هكس باشا) القائد العام ورئيس الأركان الكولونيل (فركهار) .. وفي هيئة الأركان الكابتن (هرلث) .. بالاضافة القيادة المصرية (علاء الدين باشا) و(سليمان باشا)
وكانت البرقيات المتداولة بين الجنرال (هكس باشا) و(السيّر ماليت) ووزارة الخارجية البريطانية .. تعكس تطورات الوضع السياسي والعسكري .. وتعكس تفاؤلاً فى غير محلّه ..
وفي التبلديّة الضخمة غرب غابة شيكان .. وقف المهدي على فروته مستقبلاً القبلة .. وبدأ يصليّ ..  وحسب إِفادة الشهود ـ كانت صلاة طويلة أطال فيها الركوع والسجود .. حتى ألهبت الشمس الواقفين خلفه .. فقد أزف الضحّي ..  وبدت في الأفق البعيد .. طلائع جيش الغزاة بقيادة (هكس باشا) من الجهة الشرقية الشمالية من غابة شيكان .. وتم ايصال الخبر بقرب الوصول لـ (المهدي) .. وتم تنفيذ بدايات الخطة من اللواءات الثلاثة .. حيث تم أستدراج الجيوش المتعبة و الفاقدة للمياه الى داخل غابة (شيكان) ..
ومنذ ان تعمق جيش الغزاة في وسط غابة (شيكان) بحثا عن الماء .. حتى هجمت جيوش المهدي من كل صوب .. الراية الزرقاء من جهة الشمال على الجانب الأيمن لجيش الغزاة .. و الراية الخضراء من جهة الجنوب على الجانب الأيسر لجيش الغزاة .. في حين هجمت الراية الحمراء من جهة الغرب ملاقية بداية جيش الغزاة .. وساعدت كثافة الغابة وخضرة الخريف وانقطاع الماء عن جيش الغزاة بالاضافة للخطة المحكمة للتطويق على جيش الغزاة .. كل تلك العوامل ساعدت في النصر بعد فضل الله سبحانه وتعالى ..  
وحسب الإفادة وخلال ساعة  .. كانت (كم وستون دقيقة)  كافية لابادة  جيش الغزاة الذي تفرق وتشتت وتاه في غابة (شيكان) ..  فيما أنتظرت أواخر اللواءات الثلاثة خارج غابة شيكان لتحيط بها احاطة السوار بالمعصم .. ليستقبلوا بالموت كل هارب من داخل الغابة .. وصلى المهدي صلاة النصر عقب صلاة الظهر .. بعد ان تم دفن الشهداء .. وبعدها تم دفن جثث جيوش الغزاة ..
ووقف اللورد (فتز مورس) حزيناً في مجلس اللوردات البريطاني وهو يقول:
- لعلّ التاريخ لم يشهد .. منذ أن لاقى جيش (فرعون نحبه) في البحر الأحمر كارثة .. مثل تلك التي حلّت بجيش هكس في صحاري كردفان .. حيث أُفني عن آخره .. وقضي عليه قضاءً مبرماً من قبل المهدي) ..


في ذكري معركة شيكان .. قراءة تحليلية لردود أفعال الصحافة البريطانية وبعض الصحف العالمية بعد إنتصار الثورة المهدية في الموقعة  .. 

د. محمد المصطفي موسي
في ٥ نوفمبر من العام ١٨٨٣ إنتصرت الثورة المهدية إنتصاراً تاريخياً ومفصلياً علي الحملة العسكرية الغازية للسودان بقيادة الجنرال البريطاني (وليام هكس) بغابة (شيكان) التي لا تبعد كثيراً عن مدينة (الأبيض) عاصمة الثورة المهدية الأولي ..  شهد ذلك الشهر توارد أنباء ذلك الانتصار الخالد الي أصقاع أوربا القصية .. فخيمت تلك الكارثة بوقعها علي الجزيرة البريطانية تماماً كم خيم عليها شتاء نوفمبر بحزنه ومساءاته القاتمة  ..
لم تكن وقائع شيكان حدثاً معزولاً عما حوله من مسرح الأحداث في عالم القرن التاسع عشر كما يتصور البعض .. بل كانت حدثاً مهماً ارتجت له صحافة العالم .. في زمن شهد هيمنة استعمارية مطلقة من شمال الكرة الارضيّة علي جنوبها بشعوبه المستضعفة التي تقلب بها ذلك الزمان من هزيمة لأخرى ..
وعليه سنحاول في هذه الدراسة المصغرة تبيان أصداء وقائع (شيكان) علي صحف بريطانيا وغيرها من الصحف الأوربية الآخري بما توفر لدينا من ارشيف إحتوي فيما إحتوي علي تفاصيل موغلة في الدقة عن الأثر الذي ترتب علي نتائج تلك المعركة ..

من المهم هنا الإشارة الي مدخل مفتاحي يسهل من الولوج الي تفهم طبيعة تلك الاصداء  .. و نعني هنا تحديداً ما أورده المؤرخ البريطاني المعاصر (فيرغس نكول) صاحب كتاب " مهدي السودان ومقتل الجنرال غردون " من اهتمام صحفي بريطاني بالحملة في مراحل تجهيزها المبكرة  .. فعلي الرغم من أن جيش (هكس) أُرسل الي السودان بإسم الخديوي .. إلا ان كل شئ تم تحت علم ومساندة بريطانيا .. التي كانت هي الحاكم الفعلي لمصر الخديوي نفسها  .. و ما كان لجيش جرّار يتكون من عدد يناهز ال 15 الف مقاتل كهذا ان يُرسل من دون توفير التغطية الإعلامية الفعالة لوقائع تحركاته ..  تلك ادبيات إستعمارية عريقة ظلت بريطانيا تتبعها لسرقة الانتصارات ونسبها لمجد الامبراطورية حينما تسنح الفرصة وتكتمل صياغة المشهد  .. لذلك صحب ذلك الجيش كأذرع إعلامية .. كل من (فرانك باور .. مراسل جريدة ( التايمز اللندنية) .. و(فرانك فيزتلي مراسل جريدة جرافيك( .. كما تواجد ايضا الصحفي الأيرلندي المثير للجدل (إدموند اودنوفن) المحسوب علي التيار القومي الأيرلندي .. كمراسل حربي لصحيفة Daily News . .. وإمعاناً في إجلاء الغبار عن هوس البريطانيين وولعهم القديم في تدوين إنتصاراتهم فيما وراء البحار .. أشار (نيكول) الي أن بعض الرتب العليا من الضباط البريطانيين بحملة (هكس) كانوا يتقاضون ما يقارب ال ٧٠٠ جنيهاً استرلينياً مقابل كتابة تقارير صحفية دورية للصحف البريطانية .. والتي دفعها تلهفها لنشر تفاصيل سير الحملة لبذل تلك الأموال بأكف منبسطة .. ( انظر .. نيكول : مهدي السودان ومقتل الجنرال غردون  ) ..
ولكن بالعودة للأخبار التي تصدرت الصحافة البريطانية عن حملة (هكس)  .. نجد أن الملامح النهائية للجيش الغازي قد اكتملت مع مراحل تجميعه الأولي بالنيل الأبيض  ..  وكشأن كل البدايات التي تنضح بالأماني العذبة .. نجد ان تناول صحف بريطانيا لتلك التفاصيل قد إحتوي علي تفاؤل مُتصاعد وثقة حديدية في سحق الثورة المهدية .. وذلك علي نحو ما ورد بصحيفة " شيفيلد ديلي تليغراف" بتاريخ 14 سبتمبر 1883 من تقرير أُختتم بلهجة جازمة مؤكدة جاء فيه : " لا يوجد أدني شك من نجاح حملة الجنرال (هكس) ..إن هيمنة (المهدي) علي الأحوال ما زالت في تناقص كبير " ..
ولكن تلك اللهجة المتفائلة سرعان ما تراجعت مع خروج الجيش الغازي من رحاب منطقة النيل الأبيض وتقدمه تجاه سهول (كردفان) الفسيحة .. فلقي ما لقي من مقاومة ضارية بأسلوب الحرب الشعبية بكل مكوناتها البشرية والطبيعية .. و الذي أفلحت الثورة المهدية في إستغلاله كسلاح حاسم في مواجهة الغزاة .. مما أثر سلباً علي معنويات رجال الحملة  ..
وفي ذلك الشأن نشرت صحيفة " وسترن ديلي ميركري
" .. " The Western Daily Mercury " في أحد اعدادها الصادرة بنوفمبر 1883 .. نشرت إفادات (الميجور إيفانز) ضابط استخبارات جيش (هكس) حين قال : " لقد بارحنا الخرطوم في 9 سبتمبر وتقدمنا علي الضفة الغربية للنيل فوصلنا (الدويم) في غضون أربعة ايام  .. لم نتوقف عن التقدم للأمام منذ ذلك الوقت .. الحر هنا قائظ بما يكفي . كبدنا ذلك خسارة ثلاثين من رجالنا بعد أن أهلكهم العطش والإنهاك وكذلك تتساقطت جمالنا بنفس الطريقة  .. نحن نتقدم الأن لثمانية ساعات متواصلة يومياً لمدة 16 يوم علي التوالي  .. وصلنا إحدي القري التي كانت تشتمل علي عشرين كوخاً فقررنا أن نتوقف هنا ليستريح رجالنا و دوابنا لبعض الوقت .. الماء هنا ردئ للغاية والعدو الذين تصلنا أنباء كثيرة عن حشوده الكبيرة لا يبعد عنا سوي ثلاثين ميلاً اما الطريق خلفنا فهو مقفل تماماً " ..
لم يكن تقرير (ايفانز) المقتضب سوي تأكيد لحذاقة اُسلوب إدارة (الامام المهدي) لفن الحرب الشعبية .. لأن ما قاله مسئول مخابرات جيش (هكس) تطابقت تفاصيله مع توجيهات (المهدي) لأمرائه علي أحسن ما يتمناه اي قائد من التطابق ..
ففي سبتمبر 1883 كتب المهدي للامير احمد ود جفون :" وانه بمجرد وصول جوابي هذا إليكم انتم وجميع من معكم من الانصار .. انضموا مع بعضكم البعض في جهة من الجهات .. وأخلوا لهم الطريق كي يجدوه سهلاً خالياً  .. وأكمنوا لهم بالطلائع الشافية  .. وبعد تحققكم بذهابهم و مرورهم من نواحيكم  .. فأمسكوا قفاهم واتبعوهم من ورائهم فيصيرون في وسطنا" .. الي ان يقول : " الحرب خدعة .. فشمروا عن ساعد الجد  .. وقوموا بواجب ما أمرتم به ولا تغفلوا عن الطلائع دائما قبل وصولهم بنواحيكم .. و مرورهم و لا تقطعوا من الإفادة من الأخبار المحققة
" ..
وعلي الرغم من شُح الأنباء الواردة عن حملة (هكس) لصحافة بريطانيا بعد توغل الجيش الغازي في سهول (كردفان) الا أن تلك الصحف لم تكف عن نشر أخبار غير مؤكدة لانتصارات مزعومة حققها (هكس) في اثناء تقدمه نحو مدينة (الأبيض) .. ونالت صحيفة " ليدز ميركري" بتوجهاتها الإمبريالية المعروفة النصيب الأوفر من تلك الأنباء المغلوطة .
لم تدم تلك الأمنيات كثيراً فسرعان ما تأكدت أنباء انتصار الجيش (المهدوي) علي جيش (هكس) بمعركة شيكان الحاسمة .. وطارت أصداؤها للأقاصي البعيدة .. فبدأت الصحف البريطانية تبحث عن تفاصيل ما حقيقة ما جري بأسلوب اكثر واقعية .. فنشرت صحيفة " فروم تايمز - Frome Times " والتي تصدر بنواحي جنوب غرب انجلترا .. تقريراً دقيقاً عن تفاصيل موقعة شيكان أخذ موقعاً مميزاً بعددها الصادر في يوم الأربعاء 19 يناير 1884 .. وفيه نسبت الصحيفة نسختها من الرواية لأحد الأسري من رجال (هكس) الذين تمكنوا من الهرب لاحقاً من مدينة الأبيض وجاء في ذلك التقرير : " في ٤ نوفمبر تقدمت قواتنا نحو (كازقيل) .. وبعد مسيرة متواصلة استغرقت 4 ساعات تفاجأنا بهجوم ماحق من جيش العدو الذي اصلانا ناراً حامية .. علي الرغم معاناتنا السيئة من العطش الا اننا حاولنا الحفاظ علي مواقعنا .. في 5 نوفمبر توقف القتال قليلاً .. وكان علينا التقدم لإدراك الآبار وموارد المياه .. بعد نصف ساعة من الزحف تفاجأنا بالثوار الذين اخذوا مواقعهم مختبئين خلف غابة شيكان ففتحوا فينا نيران بنادقهم وأحاطوا بِنَا من كل جانب .. حاولنا الرد بقوة ولكن هجوم السودانيين اشتد علينا بعد ذلك و أُبيدت الحملة ولَم يتبق منها علي قيد الحياة سوي 200 من الجنود المصريين وبعض من الرقيق ممن جُرحوا اثناء المعركة " ..
ولَم تكن تلك الأرقام التي أوردتها "Frome Times" بأي قدر من الاختلاف مما كان متوفراً لدي الدوائر الرسمية البريطانية .. فعلي المستوي الرسمي تلقي رئيس الورزاء البريطاني (غلادستون) فيما بعد منتصف نوفمبر 1883 بتمام الساعة الثانية ظهرا بتوقيت غرينتش .. تلقي تقريراً تلغرافياً مفصلاً من حاكم عام السودان بالانابة آنذاك .. الجنرال البريطاني (هنري دي كوتلوغون)  .. اشتمل التقرير علي تفاصيل إبادة حملة الجنرال وليم هكس بشيكان التي لم ينج منها بحسب التقرير سوي 200 رجل ..  وعلي الرغم من أن تقرير (كوتلوغون) لم يكن واضحاً بخصوص مصير من تبقي من رجال هكس الا ان صحيفة دبلن ديلي إكسبرس "Dublin Daily Express" .. (عدد 26 ديسمبر 1883) .. جزمت في تقرير موجز عن نتائج معركة شيكان بأن (الامام المهدي) قد أوصي قواته بالحفاظ علي حياة الاسري بما فيهم عدد من الأوربيين الذين كان (فيتزلي) المراسل الحربي لصحيفة (The Graphic) اللندنية الذائعة الصيت  في مقدمتهم  ..
ويتفق ذلك تماماً مع ما أوردته صحيفة " شيفيلد ديلي تليغراف" بعددها الصادر في 19 ديسمبر 1883 والذي اشتمل علي تحقيق بعنوان .. ( نهاية هكس باشا ، قصة يرويها احد الناجين ) والذي جاء فيه : " أمر (المهدي) أنصاره بعدم الإجهاز علي أي جريح من قوات هكس . وجه (المهدي) أيضاً بأن لا يتعرض احد بسوء للصحفي (فيتزلي)
 " ..
وبالعودة لسلسلة تقارير (كوتلوغون) المتتابعة للإدارة البريطانية عن احوال السودان نجد ان من اهم تقاريره ذلك الذي وجهه لـ (غلادستون) موصياً فيه بأن صعوبة السيطرة علي الأوضاع بالسودان في ظل انتصارات الثورة المهدية الاخيرة .. تقتضي اتخاذ قرار واقعي بإنسحاب الادارة الاستعمارية للسودان بأكملها الي مدينة (بربر) وما ورائها .. والتقطت القفاز صحف بريطانية كثيرة فدعت للانسحاب من السودان وعدم التورط بإرسال المزيد من الجنرالات لأتون حروبه المستعرة . كما دعت للاهتمام بتأمين حدود مصر التي كانت كما سلف ذكره تحت ما يشبه الوصاية البريطانية الكاملة آنذاك .
لم تهدأ مصانع القرار الرسمية البريطانية والتي تمدد فيها القلق من نتائج انتصارات الثورة المهدية في شيكان حتي بلغ أشده في 13 ديسمبر 1883 .. اي بعد ما يقارب الشهر من واقعة (شيكان) .. حينما كتب (اللورد بارينغ) .. مسئول ملف سلاح البحرية بحكومة (غلادستون) الثانية والشهير بلقب " لورد اوف نورث بروك " ..  كتب لصديقه (اللورد ريبون) معلقاً علي انتصار السودانيين علي حملة (هكس) في (شيكان) : " إن ما يحدث في السودان هو أمر في غاية الخطورة بحسبان أن هزيمة (هكس) ستجلب لنا نحن ( البريطانيين ) .. ما يكفي من إشانة سمعة " ..
وفي ذات المعني تحدثت صحيفة فرنسية ذائعة الصيت كصحيفة ( Liberté) عن هزيمة هكس الساحقة بشيكان بلهجة تدعو فيها بريطانيا للاعتراف بهزائمها في السودان بدلاً من الهروب من تلك الحقيقة المؤلمة .. ويتمثل ذلك فيما جاء بالصحيفة نصاً : " ان المسئولية الاخلاقية لهذه الكارثة تحسب علي بريطانيا العظمي وحدها لأن جنرالات إنجلترا كانوا تحت تأثير اوهام مزدوجة .. سوء تقدير لقوة المهدي و تضخيم متوهم لدورهم في إدارة قوات الخديوي " .. ( صحيفة Liberté الباريسية ، 23 نوفمبر 1883 ) ..
وتناولت صحيفة Le Rappel الفرنسية معركة (شيكان) ونتائجها بعد أن وجهت انتقادات ساخرة لمحاولة الانجليز للتملص من هزائمهم علي يد قوات الثورة المهدية .. حيث قالت الصحيفة : " إن الصحافة الانجليزية تحاول جاهدة إيهامنا بأن تلك الهزيمة لا تعنيهم في شئ .. وأنها تخص قوات الخديوي وقادته العسكريين وحدهم .. إننا جميعاً نعلم جيداً أن الإطار العام للحملة العسكرية كان انجليزياً صرفاً  .. وأن اسم الجنرال (هكس) وحده كان اصدق دليل علي جنسيته البريطانية التي لا جدال فيها  .. إن التعلل بأن جيش (المهدي) كان تعداده 300 الف مقاتل ما هو إلا تهويل مقصود الغرض منه حفظ ما تبقي من ماء وجه البريطانيين " ..
ولَم تمر لسعات صحافة فرنسا لبريطانيا من خلال الاحتفاء بإنتصار (الثورة المهدية) في (شيكان) من دون ان تثير ما هو متوقع من المرارات في صفحات صحافة بريطانيا .. فكتبت صحيفة " لندن ايفنينغ ستاندرد
" .. "London  Evening Standard"   بعددها الصادر بصبيحة السبت 24 نوفمبر 1883 .. فيما يمكن اعتباره اعترافاً إنجليزياً مستتراً بما احدثته (شيكان) من جرح أدمي كبرياء بريطانيا .. فأوردت الصحيفة : " إن الأثر العظيم الذي احدثته إبادة حملة الجنرال (هكس) بالسودان لم يكن مقترناً بأي قدر من التعاطف معنا في باريس  ..  لقد اجتمعت الصحف التي لا تفضل سيطرتنا الثنائية مع المصريين علي احوال السودان مع تلك الصحف التي تدفعها الكراهية الصرفة لإنجلترا .. اجتمعوا جميعاً علي الابتهاج بتلك الضربة القاصمة التي نالت من هيبة وكبرياء بريطانيا " ..
و في ذات الإطار عنونت الصحيفة بنفس العدد تحقيقاً مطولاً عن تفاصيل هزيمة (هكس) بعنوان " الكارثة في السودان " او
" The disaster in Sudan " ذكرت فيه ان الجنرال (هكس) تم تضليله بواسطة احد ادلاء صحراء (كردفان) والذي لم يكن في حقيقته سوي احد عملاء (المهدي) .. فقاد الجيش بأكمله الي مسار شح فيه الماء ولوث ما تبقي من مصادره .. وترتب علي ذلك إبادة حملة (هكس) بكردفان بعد معركة اشترك فيها جيش جرّار من رجال الثورة المهدية ..
 وتزعم الصحيفة انه لم يتبق آنذاك أي من البريطانيين علي قيد الحياة في السودان سوي حاكم عام السودان بالانابة الجنرال (كوتلوغون) والمراسل الحربي المرافق لحملة (هكس) الصحفي (فرانك باور) ..
وإنضمت صحف نمساوية بارزة لحملة إنتقادات الصحف الفرنسية للإعلام البريطاني وسياسته الرامية للتملص من هزيمتهم في شيكان فكتبت صحيفة Neue Freie Presse  بتاريخ ديسمبر 1883 : " إن في مقدور بريطانيا أن تزعم لآلاف المرات ان لا شأن لها بما يحدث في السودان  .. ولكن القضية الأن لم تعد قضية السودان لوحده بقدر ما هي قضية مصر  ..  لقد هزت الحركة المهدية موقع الخديوي ولو لم يتم تقويته فمن المتوقع ان تنتشر تلك الموجة لتشمل كل أنحاء العالم الاسلامي " ..
اما صحيفة
Tagblatt التي كانت تصدر من فيينا فقد استبقت الأحداث بالحديث عن قراءتها الخاصة لنتائج موقعة (شيكان) .. حين قالت : " إن عدم منع (المهدي) من التقدم بقواته نحو مصر .. سيؤدي لتغييرات بالغة بكل العلاقات الدولية في القارة الأوربية " ..

وإنتحت صحيفة بريطانية مهمة كصحيفة " Reading Mercury " منحاً مشابهاً لصحف فيينا في تناولها لإنتصار (الثورة المهدية)  بـ (شيكان)  من حيث خطورة الأثر الذي ستحدثه نتائج تلك المعركة الحاسمة علي قبضة بريطانيا المحكمة فيما يختص بمستعمراتها بالعالم الاسلامي .. وجاء بالصحيفة بهذا الشأن تحديداً : " إن هنالك ثمة مخاوف جدية ستترتب علي انتصار المهدي بما يُتوقع ان يتلوه من انعكاسات علي العالم الاسلامي .. انه من الممكن جداً ان يكون نجاح الثورة المهدية بمثابة رسالة إيجابية تحرض المسلمين علي القيام بإنتفاضات مماثلة في المنطقة العربية وبلاد فارس وكل مناطق المسلمين بالهند " .. ( صحيفة Reading Mercury .. عدد بتاريخ السبت 1 ديسمبر 1883  ) ...

وكتب الصحفي والبرلماني الأيرلندي (اوكيلي) الذي عرف عنه تعاطفاً كبيراً مع الثورة المهدية .. كتب بصحيفة " The Western Morning News " الانجليزية الصادرة بصبيحة الخميس 22 يناير 1885 .. عن تفاصيل مشاركة (الامام المهدي) مقاتلاً بسيفه في معركة (شيكان) .. و زعم بأنه جُرح في المعركة مدللاً بذلك علي بسالته كقائد  .. وجزم (اوكيلي) بأن (المهدي) لم يكن ليخبئ نفسه في المعارك بل كان يقاتل وسط جنوده ..
( He takes part in all battles and does not spare his own person ) .

ويصف (اوكيلي) (الامام المهدي) في ذات المقال .. بأنه قائد علي مستوي متعاظم من الذكاء .. ويتسم بقدرات شخصية قيادية خارقة لا يمكن ان يتسرب اليها شك " . غير أن الصحافة البريطانية لم تغفل أيضاً عن تقريظ جنرال بريطانيا الذي ابتلعته غابة (شيكان) بما يليق من المدح فتعرضت صحيفة "شيفلد ديلي تليغراف " في أعقاب انقضاء المعركة لتفاصيل مقتله بمقال مفصل ذكرت فيه أن الجنرال (هكس) كان قد قاتل بشجاعة الأسود حتي نقطة النهاية وأفرغ محتويات مسدسه لثلاثة مرات قبل ان يقاتل بالسيف ثم يُقتل بعد ذاك فكان اخر من لقي حتفه من رجال حملته . ( شيفيلد ديلي تليغراف ، 19 ديسمبر 1883
)
واتجهت صحيفة أسكتلندية معروفة كصحيفة " The Dundee Courier And Argus "  لتخصيص صفحتها الأولي من عددها الصادر بصباح الجمعة 23 نوفمبر 1883 لتحقيق مطول عن تفاصيل معركة شيكان تحت عنوان لم يخلو من إثارة بيّنة .. ( الكارثة المفزعة في السودان ، هزيمة (هكس باشا) وإبادة جيشه  .. تفاصيل المذبحة التي تعرضت لها قوات بلغ تعدادها 15 الف رجل ) ..
وأشارت الصحيفة الي أن المربع العسكري الذي شكل (هكس) قواته عليه  .. قد تعرض للكسر بواسطة قوات المهدي بعد 3 ايام من المناوشات و المعارك المتصلة انتهت بإبادة جيشه في شيكان  ..
كما نقلت عن احد شهود العيان إفادات تشير الي انه استطاع ان يحصي 150 من جرحي الحملة المبادة أبقي الانصار علي حياتهم بما في ذلك الصحفي (فرانك باور) ..
وتحدثت الصحيفة عما وصفته بالشلل التام الذي خيم علي حكومة (غلادستون) بفعل هذه الكارثة .. ولكنها توقعت ان يتم اتخاذ تدابير رسمية معينة بمساء يوم 23 نوفمبر 1883 حيال ما حدث ..
وحذرت الصحيفة بلهجة صارمة من وجود دلائل تشير الي إمكانية سقوط ميناء سواكن في قبضة القبائل التي أعلنت ولائها للثورة المهدية بشرق السودان .. في إشارة منها لعمليات الامير (عثمان دقنة)  .. والتي أدت الي مقتل القائد الانجليزي (مونكريف) في أعقاب موقعة (شيكان) مباشرة  .. وواصلت الصحيفة تحذيراتها المرسلة فتطرقت لتقدم قوات الثورة المهدية نحو (الخرطوم) .. الذي بات وشيكاً كما تحدثت بتفصيل عن ان مصر نفسها لم تعد بمأمن من تقدم قوات الثورة السودانية .. ونبهت الي أن قوات الجنرال البريطاني "إيفلين وود" المتواجدة بجنوب مصر لم تكن سوي قوات ضئيلة العدد قياساً بما يحدث في المنطقة  ..
و في ختام تحقيقها المفصل اتجهت
"The Dundee" ..  للهجة غلب عليها التشاؤم بخصوص فرص بريطانيا لإعادة الامور الي ما كانت عليه .. حين قالت نصاً .. : " في واقع الحال ، ان أسراب المقاتلين الضخمة التي تتوفر تحت قيادة (المهدي) وما يتوقع لأعدادها من تزايد ستقلل كثيراً من توفر العوامل المساعدة لمقاومتنا لتحركاته الناجحة " ..
ويبدو ان مخاوف " The Dundee" التي جاهرت بها كان لها ما بعدها .. فإنبرت صحيفة لندنية متفردة كصحيفة " London Daily News" .. لنشر تحليل مستفيض حول الانتصارات المتتابعة التي حققتها الثورة المهدية .. تضمن احداث حصار وتحرير مدينة (الابيض) التي سبقت موقعة (شيكان) .. وتعرضت الصحيفة للوحدة الوطنية التي حققتها المهدية بين قبائل السودان المختلفة قائلة : " بالاضافة للثلاثين او الأربعين الف من رجال (المهدي) الخلُص الذين يعسكرون معه بالأبيض .. أنه من الممكن القول بأن (المهدي) يحظي بالمساندة والتعاون الحيوي مما يقارب الثمانين قبيلة من قبائل السودان .. والتي تتمدد في أغلبية أراضي هذا البلد الشاسع من حدود صحراء بيوضة الي أقاصي المناطق الاستوائية .. و بمقدار مماثل يصعب تحديده لأقاصي حدود دارفور الغربية .. هؤلاء الانصار الذين تتراوح أعدادهم ما بين ال 200 الي 300 ألف مقاتل يختلفون كثيراً في البنيان الجسماني والمزاج العام عن جنود (احمد عرابي) .. في الغالب الاعم تتشابه سحناتهم بدرجة وثيقة مع سحنات الهنود الحمر الأمريكيين وفي كثير من الأحوال تختلط دمائهم بالدم الزنجي .. ويمكن تعميم هذه الصفة علي القبائل العربية المتاخمة للمناطق الإستوائية " ..
وقبل أن يمر شهر علي هزيمة (هكس)  (بشيكان) نشرت صحيفة " مونماوث شراين مرلين " .. " Monmouthshire Merlin" التي تصدر من ويلز تحقيقاً بعنوان " رأي احمد عرابي في المهدي " حيث أشارت في تحقيقها المؤرخ بتاريخ الجمعة 30 نوفمبر 1883 .. الي أن انتصار )الثورة المهدية( الأخير علي قوات )هكس( لم يكن مفاجئاً بالنسبة لـ (عرابي) الذي كان يتحدث عن تعاظم نفوذ (المهدي) بصورة مكررة .. وقال بما يكفي من الصراحة أن علي إنجلترا الآن ان تُعد نفسها لزحف قواته التي ستعسكر يوماً ما بالقرب من القاهرة ..
وذكرت الصحيفة أن (عرابي) منذ قدومه الي منفاه بجزيرة سريلانكا .. ظل ثابتاً علي رأيه بحتمية انتصار (المهدي) لأنه- بعكس الأوربيين - يدرك أن روح الشعوب هناك تتوق بطبيعتها للتخلص عن ما أسماه ب " الاستعمار المسيحي" شأنها شأن المسلمين في كل مكان ..
وعلي ذات الايقاع مضت تصريحات (عرابي) اللاحقة عن (الثورة المهدية) بلهجة متصاعدة من التأييد .. حين نقلت صحيفة " يوركشاير بوست" الانجليزية الصادرة في يوم الاثنين 4 فبراير 1884 تصريحاته التي وصف فيها (الامام المهدي) بالزعيم الذي يمتلك مقدرات هائلة تدعمها شخصية قوية متماسكة .. مما مكنه من أن يحشد خلفه ما لا يقل عن 150 الف من رجال شعبه .. الذين جُبلت فطرتهم علي القتال " ..  ويبدو أن (احمد عرابي باشا) لم يُخرج كل ما في صدره من إنحياز لـ (الثورة المهدية) الا عندما انتصرت انتصاراً حاسماً آخراً علي بريطانيا بتحرير (الخرطوم) ومقتل (غردون) .. الذي تزامن مع فشل حملة إنقاذه البريطانية بقيادة (اللورد ولزلي) .. وفي ذلك اوردت صحيفة " وسترن ديلي برس " البريطانية بعضاً من نص رسالة (عرابي) لليدي (آن بلنت) .. والتي عبر فيها بوضوح عن مشاعره الحقيقية تجاه الثورة في السودان .. وقد جاء ذلك في عدد الصحيفة المؤرخ بـ 2 مارس 1885 :
 " لم تكسب بريطانيا شيئا من محاولتها غزو السودان .. لقد خسرت كل شئ .. خسرت اسمها وسمعتها و خسرت كل المسلمين ..  لقد فقدت بريطانيا (غردون) و(ستيوارت) و(هكس) و (أيرل) وكم وكم غيرهم من الضباط البريطانيين ..  كما فقدت ايضا تعاطف كل القلوب بسبب حربها علي ثورة التحرر في السودان .. إن السودانيين الشجعان أخذوا بالثأر لاخوانهم المصريين وحموا بلادهم ضد الغزاة .. ومنهم رجال يفضلون أن يتجرّعوا كأس الموت علي أن يروا مستعمرا دخيلاً عليهم داخل حدودهم .. لقد بايع الشعب السوداني (المهدي) بالملايين علي الموت من اجل الحرية و كلما ازداد العدوان الانجليزي عليهم كلما ازدادت قوتهم
"..
صفوة القول أنه بالإستناد علي ما تقدم من وثائق يمكن الخلوص الي أن معركة (شيكان) وما تلاها من نتائج وتداعيات .. قد أخذت حيزاً واسعاً من الاهتمام الصحفي البريطاني والعالمي .. ونالت كمثيلاتها من النزالات العسكرية الفاصلة في عالم القرن التاسع عشر قدراً متقدماً من التحليل والتمحيص في تفاصيلها بما يليق بما أحدثته من تغيير قلب موازين القوي العالمية ( و لو الي حين ) ..
في عالم تناهشته المطامع الإستعمارية التي لا تلقي بالاً لإرادات الشعوب .. فكانت (شيكان) انتصاراً سودانياً شعبياً باهراً جري مده في عكس اتجاه جريان النهر الامبريالي العالمي أنذاك .. وكان من أمره ما كان
.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد بـ أراضي الجريف شرق    ... 
 ( نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا  ) ..
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل  ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم   ...
في رحاب الله الشهيد أخي (أحمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا   ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم باعو) الشهير بـ ( الغول ) عليه رحمة الله ... ( مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد  ) ...

محمد باعـــــــــــــــــــــو

2017/11/05