الأربعاء، 16 أغسطس 2017

كيف تدخل الغابة (79) .. رئيس جمهورية طابا .. رحيل العلامة الشيخ الحفيان


بسم الله و الحمد لله

كيف تدخل الغابة (79)
الوطن الذي لا وجيع له
رئيس جمهورية طابا
العلامة الشيخ
الجيلي عبد المحمود
الحـــــــفيان

  (ان الحبيب لهم اماط لثامه  * وجماله  قد فتت الأكبادي)
 (المصطفي قمر النبوة قد طلع *والكل في شوق لوصل ودادي)
(نبي حوي كل المحاسن جملة * شمس الكمال لمن يروم رشادي)
(هذا حبيب الرب سيد خلقة * نبي تقي عابد سجادي)


( أنا لله وأنا أليه راجعون)
رحم الله الشيخ العلامة الراحل الجيلي عبد المحمود نور الدائم الحفيان وأسكنه فسيح الجنات وسقاه من كوثر المصطفى صل الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبدا


بــيــئـة طـابت المحروسة والمحمية حولت عبقرية الفكر إلى عبقرية الـسـلوك
أســمـاهــا الأســتــاذ بــ ( طــابـــت ) فــصـارت قـبـلـة للمريدين والـسـاسـة
مـؤلفات الأســتــاذ و الــحــفـيــان جـديرة بأن تــدرس في الجامـعات
الـمـهـيــوبــة ( كـــســـرة الــقــوم ) الــتــي أحــبــهــا واعــجــب بــــهــا الــنــمـــيــري
مـــا بـــيــــن الـــحــصــاحــيـــصا وطــابـــت ود وتــواصــل ومـــحــبة يــــجــــب أن تـــدوم

خطواتنا لـ (طابة) :
دخلنا طابت الشيخ عبد المحمود ليلاً عبر الطريق الزراعي القادم من الحصاحيصا، وهي مدينة عادية بها سوق وتحاصرها ترعتان تنتهي الأعمال الرسمية عند الظهيرة تقريباً وفي العاشرة مساءً تنام المدينة فظهرت لنا النجوم تحدد لنا ملامح طابت الصوفية وكان المسيد نائماً.. ولكن على طريقته أيضاً.. ثمة نساء يجهزن موائد الغداء والنوم هنا كما اتفق.. في الأرض.. أو الحصير.. أو الرمل.. وبعد نهار المحبة حصدوا السلام بالنكات البسيطة نكاية في الدنيا والتي بظنهم قد طلقوها أبداً فانتشر ذلك الفلاح… وكان استقبالي رسمياً
وعلى طريقتهم الموقرة حددوا لي كل شيء، فزمن الشيخ محدد وغالٍ فقابلني ليقول حمداً لله على السلامة كان مرهقاً.. بسيطاً.. وعادياً.. ولكن لا مفر الهيبة والنور.. فبسملتُ ودخلت مناخ السجادة السمانية.. أكد أنه رئيس لجمهورية طابت.. لا يأبه بالدنيا ويساهم بكل إمكانياته لأجل استقرار هذه البلد الأمين.. وتحدث بصراحة أكثر عن السلفيين وإشكالية التطرف.. ولماذا بقيت الصوفية عبر القرون هي الجسر المناسب لردم أي هوة اختلاف بين الناس والعالمين.. وأجاب بقناعاته بامتنانٍ مطروحٍ بدعابة.. كادت أن تكسر صمت حاجز (الفقرا) أن لا نتعدى حدود الخطاب مع الشيخ ولكننا تعمدنا الجرأة.. وسألته هل تبيع نظارتك فضحك بإباء وشموخ.. فإلى حوار الصفاء..
والغوص في بحار العارفين عبادة ، والتأمل في أفكار الصالحين زيادة ، كم تشدك المعاني إليها وأنت تحاور أهل الله ، وكم تأسرك الكلمات الإيمانية بنورها الموشح بالروح والحس الصوفي العميق .هكذا كانت أساريرنا تعج بنبضات الإيمان ونحن نتحاور مع ألمع نجوم الصوفية في بلادنا . من وحي مدينة طابت مدينة القرآن والتسابيح ، طابت الشيخ عبد المحمود التي تتألق أيامها ولياليها بالذاكرين والمريدين والأحباب ، فصارت رمزاً للدين والتصوف والأدب الرفيع .
دخلنا إليها آمنين وخرجنا منها مطمئنين بحديث ضيفنا وشيخنا العارف بالله مولانا الشيخ الجيلي عبد المحمود ( الحفيان ) الجيلي عبد المحمود نور الدائم الذي تحدث إلينا وهو يضيء لنا المحاور بالسير العطرة والتاريخ الخفي لمدينة طابت فكان حديثه لجريدة الحصاحيصا حديث المثقف والعارف الحصيف ، وكانت إفاداته صريحة ووافية فماذا قال مولانا الشيخ الجيلي :
سألناه أولاً عن سيرته الذاتية ؟
أجاب الشيخ الجيلي قائلاً : أنا الجيلي الشيخ عبد المحمود ( الحفيان ) بن الشيخ الجيلي بن الأستاذ الشيخ عبد المحمود ود نور الدائم مؤسس طابت المحروسة و المحمية درست بالمدرسة الإبتدائية والوسطى بطابت ، والمرحلة الثانوية بمدرسة حنتوب ، أما المرحلة الجامعية بجامعة الخرطوم وتخرجت منها عام 1971م قسم اللغة العربية والإنجليزية والفلسفة ..
ونشأت وترعرعت بطابت في هذه البيئة الصوفية بيئة العلم والذكر والتواصل والتآخي والتحابب في الله ولله وبالله فمنذ نعومة أظفارنا نخرج من البيت في ساحة المسيد فلا نرى إلا حلقة الذكر والقرآن والعلم ، فمدينة طابت تربى أهلها على هذه المعاني حيث تعج بالحس الأدبي والشعراء كما هو معروف لدى جميع الناس
.
سألناه عن الشيخ عبد المحمود بن الشيخ نور الدائم مؤسس طابت ؟
أجاب مولانا الشيخ الجيلي : هو الأستاذ الشيخ عبد المحمود بن الشيخ نور الدائم بن الشيخ الطيب بن البشير الذي أدخل الطريقة السمانية في السودان ومصر ونيجريا والحبشة والصومال وغيرها من البلاد الإسلامية والعربية والأفريقية ..
 والشيخ الطيب حفظ القرآن على يد الشيخ أحمد الفزاري ثم رحل إلى مدينة المصطفى صل الله عليه وسلم ومكث فيها سبع سنوات مع شيخه الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ، وعاد بهذا العلم وهذه المعرفة ومناهج التربية والتزكية التي هي من وظائف رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) يزكيهم ينشيء فيهم المرحمة والتآخي والتواصل في الله ولله ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ..
وقد تخصص هؤلاء القوم على مناهج التزكية والتربية والأخذ بعزائم المنهج الرباني ما بين جوع وإعتزال دائم والصمت والسهر النزيه العالي ..
أما الأستاذ الجد الشيخ عبد المحمود ود نور الدائم فقد حفظ القرآن على يد أخيه الشيخ الصديق ، ثم إتجه بعد ذلك إلى طيبة الشيخ القرشي وأخذ طريق القوم على الشيخ القرشي ود الزين وقرأ العلم على الشيخ محمد زروق .. وأنتقل من طيبة إلى أهله بأم طرفاية قرية من قرى ريفي الحصاحيصا قريبة من طابت ، ثم أنتقل منها إلى طابت التي كانت تنقسم إلى قسمين الجزء الشمالي وكان يسمى ( العفاناب ) نسبة لقبيلة العفاناب الرعوية التي كانت تعيش في هذه المنطقة حيث توجد ترعة عفانة .. أما الجزء الجنوبي فيسمى ( أم دبيب ) حيث كانت الثعابين تقطن في هذه المنطقة .. ولا تزال هذه الأسماء تحفظها قنوات المياه إلى يومنا هذا ..
وعند مجي الشيخ للمنطقة شكا له الأهالي من خطورة تلك الثعابين .. فدعا الله دعوة صالحة فخرجت الثعابين مغادرة طابت وهم يسمعون فحيحها إلى غير رجعة ..
في هذه البيئة الصالحة الطاهرة أسس الأستاذ مسجده الذي أعاد بناؤه إبنه وخليفته الشيخ الجيلي ( الباز الأشهب ) .. والذي خلف الأستاذ للفترة من 1915- 1965 م حيث جلس في خلافة الطريقة خمسين عاماً ..
ولقد حفظ الشيخ الجيلي القرآن على يد الفكي عبد الماجد بالخبران .. ثم أرسله والده للشيخ أحمد البدوي شيخ الإسلام لتلقى العلم ليجمع له ما بين العلم والقرآن حيث نال ما نال من المعارف والعلوم ولقد عاد لطابت بعد أن تمت إجازته ..
وقد خلفه أبنه والدي الشيخ عبد المحمود الحفيان الذي حفظ القرآن وتلقى العلم على يد والده الشيخ الجيلي  .. ولقد ألف كتب كثيرة معروفة مثل كتاب نظرات في التصوف الإسلامي ، وإجالة الفكر فيما يثبت به الصوم والفطر ، وكتاب الوصية الذي طبع ثماني طبعات وترجم للغة الإنجليزية ، وهذه المؤلفات تعد كنزاً من الكنوز في طابت ، خاصة إذا علم بأن الجد الأستاذ الشيخ عبد المحمود له (85 ) مؤلفاً ظللنا ولفترة طويلة نقوم بطباعتها ولا نزال ..
وعندما أحتفل بالخرطوم عاصمة الثقافة العربية طبعنا خمسة مؤلفات بعد أن إتصلوا بنا وأكدوا لنا أهمية هذه الكتب ودورها في إثراء الثقافة العربية الإسلامية في السودان .. حيث تمت طباعة كتب ( النظرات والوصية ) ( ونفخ الروح ) كتاب في المدح النبوي وفي مدح كثير من السائرين إلى الله عز وجل ( والرحلة الحجازية ) التي مدح فيها سيدنا حمزة والمزارات والبقيع وكان شعره إرتجالاً ، وقد ترك ثلاثة دواوين في مدح رسول الله صل الله عليه وسلم .. وديوان في التربية والسلوك أسماه ( شرب الكاس ) وحتى لا يتبادر للناس أنها الخمر الرجس من عمل الشيطان فقد أوضح المعاني في قوله في مقدمة الكتاب
:
كأس من الخمر في الحانات بيـضاء *** بها لقد سكرت قـوماًُ أجلاء
لا قول فيها ولا نزف يعاب به صــــب *** له من معاني رمزها الـبـاء
بـكـر عجوز حمي عتـقـت قدمــــــاً *** راح سلاف وسلسال وصهباء
فالـزمـهـريـر سناه دونها وكـــــــــذا *** الزكاء إذا ما أدارتهـا الأدلاء

في هذه البيئة الطيبة وفي ذلك الزمن الطيب الذي أشتغل به هؤلاء العلماء بنشر الدين والعلم والسلوك القويم وحولوا عبقرية الفكر إلى عبقرية السلوك ، ولذلك نجد أن الناس يفدون لطابت من كل بقاع السودان وخارج السودان في الأعياد تجمعهم كلمة لا إله إلا الله ومحبة الله ورسوله والصالحين من عباده .
المسجد الذي أسسه الجد الأستاذ الشيخ عبد المحمود وجدد بناءة الجد الشيخ الجيلي ( الباز الأشهب ) والذي مضى على تجديد بناءه ستون سنة كاملة نقوم بحمد الله وتوفيقه بتوسعته بهذا الشكل الجميل ، وأذكر أن الأخ الوالي السابق عبد الرحمن سر الختم في زيارته الأخيرة لنا قد ذكر بأن هذا المجمع هو أكبر مسجد في الولاية ووعد بتوصيل الاسفلت إلى المسجد .
هذا وأقول بأن طابت تضم عدداً هائلاً من العلماء والشعراء وحفظة القرآن ، وذلك لإهتمام الأستاذ بهم ، وتجد مسامرات هؤلاء القوم الذين كانوا يفرون إلى الله في أماكن نائية مثل جبل موية وغيرها ليعيشوا معاني التوحيد ويعلمون الناس . .

حدثنا فضيلة الشيخ عن الشيخ عبد الجبار المبارك صلته وتاريخه ؟
الشيخ عبد الجبار المبارك بالنسبة لي أخ إبن خالة والدته ووالدتي بنات الشيخ السماني بن الأستاذ الشيخ عبد المحمود الذي تولى إحياء نار القرآن عندما أرسل أخوه الشيخ الجيلي لتحصيل العلم ، حيث أرسل الأستاذ الشيخ عبد المحمود إبنه الشيخ الجيلي لطلب العلم وألزم أبنه الشيخ السماني بإحياء نار القرآن والإشراف على نفقة المسيد . .
فالشيخ عبد الجبار المبارك الحفيان كما يحلو له أن يلقب نفسه هو بن المبارك ود موسى أخ جدتي الحاجة اليقين من جهة ومن جهة أخرى هو إبن حفصة بنت الشيخ السماني بن الشيخ عبد المحمود بن الشيخ نور الدائم بن الشيخ الطيب بن البشير ، كانت قراءته في المعهد العلمي ، وقد أمتحنا في المسلمة ونحن ستون دارس .. وتم قبول ستة فقط من دفعتنا وحضرنا النتيجة في الحصاحيصا .. وقد قبلنا في مدرسة حنتوب .. ولكن الشيخ عبد الجبار رفض الذهاب معنا لحنتوب ، وقال أنا عارفكم حتمشوا جامعة الخرطوم ، وكان توقعه صحيحاً ، وقلنا له :
ماذا تريد أن تفعل أنت ؟
فقال : أنا أريد أن أذهب إلى بخت الرضا لأصير معلماً وألزم الشيخ الحفيان في فترة غيابكم بالجامعة وقبلها حنتوب ..
وبالفعل حقق ما أراده وتزوج شقيقتنا والآن هي المشرفة على مجمع عباد الرحمن وحلوة القرآن بالصحافة .
.
ما حكاية نميري وعبد الجبار والمهيوبة ؟
الشيخ عبد الجبار لعلمه ومعرفته وحسن أخلاقه يتقرب إليه أي إنسان خاصة من السياسيين الذين يحرصون أن يكون في مجالسهم بأعتبار ذلك تجميل وتزيين لهذه المجالس ، وهذا لا يجعلنا ننكر علاقة خاصة مع طابت المحمية طابت المحروسة ، وقد دعي مرة لطابت وكان من حديثه :
أن ما وجده من طعم ( لكسرة المهيوبة ) كسرة القرآن والحيران لم يجده في أي مائدة من الموائد و ( السفر ) ..
فقد قدمها له الشيخ الحفيان وأبدى إعجابه بها وقال :
إنه لم يجد أحلى طعماً منها ..
والحقيقة أن المهيوبة لها خاصية فيها كثير من البركة طعمها يختلف عن طعم ( الكسرة ) العادية ، وإذا صنعت في مكان آخر غير موقعها بالمسيد فتكون ( لقمة ) عادية أما في موقعها فتخرج بهذا الطعم الفريد ولا تتغير عبر شهور أو سنة ، كما أنها لا تخلف رماداً ، وفي هذه الخاصية قال أخونا الشيخ السماني عن (المهيوبة) : ( تهابها النفوس التي إمتطت جياد الكبر ، أما لمن تواضعت نفوسهم لعظمة الله فهي الشفاء لأمراض كثيرة وسل المجرب دائماً ينبيك ) ..
وقد جعلها الله في طابت .. ولكن إذا أراد الله أن يقوم مجمع الحصاحيصا فسنقوم بتوصيلها لأهلنا في الحصاحيصا بإذن الله
 ..
سألناه عن طابت والساسة :
فأجاب الشيخ الجيلي قائلاً : من السياسيين الذين دخلوا طابت في زمن مبكر السيد إسماعيل الأزهري ، وكان يحضر لجدنا الشيخ الجيلي ، وكان يقول كلما خرج منه : ( هذا وقد سألت مولانا الشيخ الجيلي فقال لي الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) ..
ولقد دخلها السياسيون على جميع المستويات حتى صلح الأنصار بين الإمام الهادي والسيد الصادق كان في طابت ، كذلك دخلها كل رموز الأحزاب ، محمد الأزهري وحتى الرئيس البشير ، وهي للمريدين والأحباب لم يتخلف عنها أي من السياسيين على مستوى السودان ، أو المريدين إلا زارها
.
سألناه عن العلاقة بينكم والحصاحيصا :
فأجاب : للحصاحيصا علاقة طيبة منذ الدراسة ، ولنا فيه نسب وأذكر منهم الكثيرين ، ولو ذهبنا نعددهم لضاق بنا المجال ، فهم أهل لنا وتربطنا بهم علائق متميزة .
سألناه عن زملاء الدراسة :
فقال : زاملنا الكثيرين بجامعة الخرطوم .. أمثال أخونا علي عثمان محمد ، ومحمد أحمد مختار أبو كساوي ، والعبيد مختار ، وفي الحصاحيصا عدد كبير أمثال حسن مكي ، وأخوه عمر مكي وغيرهم .
خــاتـــمـــة الحديث :
واختتم الشيخ الجيلي حديثه قائلاً : وأختم هذا الحديث الطيب المبارك عن الحصاحيصا وطابت بأن ألفت النظر للمرة الثانية والثالثة للأخوان أن يقرأوا هذه الكتب للشيخ الأستاذ الشيخ عبد المحمود ود نور الدائم ، والشيخ عبد المحمود الحفيان ، لما تحمل من معان طيبة وشعر وأدب ، فهي آثار جديرة بالإهتمام ويمكن أن تدرس في الجامعات ، وأقول أن ما بين طابت والحصاحيصا من قديم الزمان ود وتواصل ومحبة وعلاقات كثيرة ، نسأل الله أن تزداد هذه العلاقات ، ويتواصل التلاقي بين المفكرين في الحصاحيصا والشعراء والأدباء بها وبين والمفكرين والشعراء والأدباء بطابت ، وأن تمتد هذه الكتابات في هذه الصحيفة ، وذلك لأن طابت والحصاحيصا تعيش في زمن التقارب حيث أصبح التواصل بالمواصلات في ربع الساعة ، لذلك ينبغى أن نتواصل وأن نتلاقى وأن نتحابب ونتعاون على بزل الخير وعلى نشر الحكمة في هذه المنطقة .


حوار آخر ....
وعلى طريقتهم الموقرة حددوا لي كل شيء ، فزمن الشيخ محدد وغالٍ .. فقابلني ليقول حمداً لله على السلامة كان مرهقاً .. بسيطاً .. وعادياً .. ولكن لا مفر الهيبة والنور ..  فبسملتُ ودخلت مناخ السجادة السمانية .. أكد أنه رئيس لجمهورية طابت .. لا يأبه بالدنيا ويساهم بكل إمكانياته لأجل استقرار هذه البلد الأمين .. وتحدث بصراحة أكثر عن السلفيين وإشكالية التطرف.. ولماذا بقيت الصوفية عبر القرون هي الجسر المناسب لردم أي هوة اختلاف بين الناس والعالمين .. وأجاب بقناعاته بامتنانٍ مطروحٍ بدعابة .. كادت أن تكسر صمت حاجز (الفقرا) أن لا نتعدى حدود الخطاب مع الشيخ ولكننا تعمدنا الجرأة .. وسألته هل تبيع نظارتك فضحك بإباء وشموخ.. فإلى حوار الصفاء..
• حدثنا أولاً عن الجيلي الشباب.. والأحلام.. بعيدًا عن السجادة؟!
: أنا الجيلي الشيخ عبد المحمود، نشأت مثل أي شاب في ذلك الزمان، درست بطابت وحنتوب وجامعة الخرطوم ..
• بماذا كنت تحلم تحديدًا؟
: نحنا حياتنا مرتبطة بالدين والدعوة وبدأت بالخلوة مثل كل أبناء جيلي ، وأقدارنا كلها موجودة في التصوف .. هذا العالم الكبير والذي خضناه منذ الطفولة.. وهاهي الأربعون.. ونحن ملتزمون في طريق الرُجعى إلى الله ..
• ثم دخلت جامعة الخرطوم فمتى كان ذلك؟
: عام 1971م.. أيام الأساتذة عبد الله الطيب وعون الشريف قاسم ..
• وتخرجت لتعانق أحلامك مثل أي شاب أليس كذلك؟
: نعم، وعملت بتلفزيون السودان وقدمت برنامج (ألحان الصفا) .. ثم تحولت للشؤون الدينية وانتهى بي المطاف للسجادة منذ العام 1973م ..
• هل تفاجأت بالخلافة وأنت خريج جامعة الخرطوم تبحث عن حياة أخرى ربما مختلفة تماماً عما أنت فيه حالياً؟
: أبدًا .. تربيتنا في المسيد بطابت تكفلت بإعدادنا للخلافة من حيث لا نعلم .. وطابت رتبتنا وهيأتنا رغبة ومعاني ومعارف ، ولعله من المفهوم أن (أب شام) قضى (50) عاماً في الخلافة ..
• حدثنا عن أولى لحظات انتقال الحفيان؟
: كنا في دار الشفاء بالثورة أمدرمان .. وفي ليلة انتقاله أخبرناه بأنه مصاب بنزلة معوية ، (أداويها كيف) وكان يعرف مآلات الأمور ويمتحننا بأسئلة عادية .. فأخبره شقيقي الأكبر (المتوفى) السماني : نديك فايتمين ؟ ..  فرد الحفيان (وإن لم ينفع؟) نقول : (نديك كدا) ؟ .. فيرد (وإن لم ينفع؟) .. فانتقلنا به الى مستشفى أمدرمان ، وكنا في طريقنا لدكتور عبدالحميد صالح بدار الشفاء ، وكان رأيي أن نغشى زميلاً لي ونشوف الحاصل شنو، وهناك سلم روحه بتشهد مسموع وواضح ..
• وهكذا بدأ صراع السلطة على الخلافة ؟
: أبداً لأنو الشيخ الحفيان أوصى أخينا الأكبر السماني ، وذكر لبعض (الفقرا) وكتب في مؤلفاته (ابني الوارث) باسمي ، وكان يقصد الخلافة ، وبالفعل توضأ السماني وأخذ الطريق مني وألبسوني عباءة الخلافة ..  
• ولكنكم 7 أبناء فكيف ينتهي الصراع بهذه السهولة ؟
: سلوك وبيعة السماني حسمت أمر الخلافة بقوة ..
• ما نعلمه أنك تدبرت الأمر مع بعض المحتجين؟  
: أنا كنت أُكرم آبائي وأعطيهم قدرهم ، وأمر الخلافة محروس بأخلاق عالية لمعاني السلطة في التصوف .. نحن نعطي كل ذي حق حقه ، لأننا أهل حقوق ومرة أخرى تنازل .. وبيعة السماني حسمت كل شيء مبكراً ..
• ومن ثم جلس خريج آداب جامعة الخرطوم على فروة السمانية خليفة وشيخ طريقة.. كيف بدأ الأمر متصلاً ؟  
: أخبرني الفقرا بأنني سأبدأ من الصفر .. ويجب أن أنسى الشهادات الجامعية ، فعلم التصوف علم مفتوح ناتج من التقوى والعمل الصالح ..
• هنالك مغالطة عميقة حول نشأة ظاهرة التصوف!!.. ويبدو أن الصوفية برواية أخرى (هي) محاولة تطبيق دولة مدينة الرسول صل الله عليه وسلم في هذه العصور؟
: يقول ابن خلدون في (العبر وديوان المبتدأ والخبر) إن هذا العلم من العلوم الشرعية (التصوف) وأصله عند سلف الأمة وكبار الصحابة هو العكوف الى العبادة والإعراض عن الدنيا .. وفي القرن الثاني الهجري تحول الزهد لمفهوم التصوف، وكان الإمام البصري من أوائل أئمتهم بنزعته الروحية .. يرفدها بعلم رباني سامٍ لمعارف السلوك العالي على عكس الصور الشكلية للعبادة ..
• نعود لبداياتك.. هل بدأت بالفعل من الصفر؟  
:  نعم .. بدأت من الصفر .. لعله من المعلوم أن (علوم طابت) بلغت من المؤلفات الرفيعة (85) مؤلفاً، انظر للوصية طُبعت ثماني مرات بالعربية ومرتين بالإنجليزية ، وانظر لـ(نظرات في التصوف) مرجع يتيم وكافٍ وإجالة الفكر ومؤلفات في الفقه والتوحيد والنحو والحديث والتراجم ، وكلها موسوعة علمية بمعاني متفردة وأنا لم أكن وحدي إنما هي الاستعانة ..
• عندما مرض شقيقك الأكبر الشيخ السماني .. لماذا ذهبت به لموسكو وأمامك الرياض والقاهرة والدوحة؟
: السماني رفض أن يأخذ (كِلية) من أي واحد .. وذهبنا لموسكو بدعوة من أخينا الطيب السماني بالسفارة السودانية ، وتقدم العلم ، وباستعداده إعطاء (كِلية) مجانية أبرز الخيار بعد تعنت السماني ..
• ثم حصلت الوفاة بأرض شيوعية؟
: نعم ، وكان تقرير الطبيب حصول (انهيار) وأن هذا الشيخ لن يعيش أكثر من (12) ساعة ، عندها تحزمنا أنا والسماني نقرأ الأوراد والقرآن ، فجاءت زوجته فأخبرناها أننا (نذكر الله في بلد الغفلة) .. فاطمأنت وعادت لمكانها ، فحضرته الوفاة ونام كالأصحاء ، وقال لي أنا أخوك الأكبر وأنت تعرفني ، أنا لست من يُلقن الشهادة ، فتشهد ونام كالأطفال سعيداً ومحبوراً آمناً بإذن الله ..
• وحينما عدت كنت في سلم الطائرة مبتسماً .. فكيف تبتسم وأنت عائد بجثمان السماني ولن تكلمه إلى الأبد؟  
: كيف يكون الحزن لمن يقول في سكرات الموت (مرحباً بالله ورسوله والآباء) ثم يعددهم .. وفي سيرته ما يطمئننا لأن أمرنا ماشي لطريق الحق ونحنا ما شفنا عليه فساداً أبداً ولا انحرافاً عن السجادة أبداً ..
• جئت بعد الحفيان.. أليس هذا وحده يخيف خريج جامعة الخرطوم؟  
: الحفيان ظاهرة مرت على الناس منهم من تداركها ومنهم من لم يتدارك ، وكان منذ طفولته في المسيد ومع الذاكرين وفي الخلوة مع الحفظة ..  كانوا يعطونه حلوى عشان يرجع لأمه في البيت من المسيد ، انظر عكس الصورة المعتادة ..
• وكيف تدير المسيد .. هذه الحارة المزدحمة بالناس؟
: دائماً نسير على نهج الوالد والجدود ووجدناهم لا يهتمون كثيراً بالمال – كثر أو قل – وأربعون عاماً بدون ميزانية ولا حساب ..
• ربما أنت وارث ولكم أملاك.. هذا هو المنطق؟  
: حينما حضرت الوفاة والانتقال لأبونا الحفيان .. أخبرنا أنا والسماني بأن الخزنة فاضية ..
• وإذا لم تكن لديك موارد.. فمن أين تصرف على الطلاب والفقرا وكيف يأكل كل هذا الزحام حظه ورزقه من الطعام والشراب؟  
: المرحوم الطيب محمد الطيب قال لي نفس الاستغراب ، فأخبرته بالحاصل وقال حينها (يعني مدورة براها) ..
• على الأقل هنالك تدبير وتنظيم لإدارة روح المسألة .. أليس كذلك؟
: بالضرورة هذا يحصل، فمن حولي أخوان ومريدون ومعارف معنيون بإكمال هذا العمل، وهم دورات من الصالحين كل يؤدي مهمته ،  فتكتمل المسألة ودوري أنا يقتصر في المراقبة ..
• تقصد المراقبة العرفانية وبعيون الأجداد؟  
: في وصية الحفيان ذكر وقال (فإني أرى أن المبتدأ الذي تركتُه لا يماثله خبرٌ.. تركتُ فيكم الله خليفة عليكم يسدد خطاكم يأخذ لكم من بحر المياه المسجور.. تركتُ فيكم كتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم ) ..
• دخلنا إذن المقامات الرفيعة فكيف يكون السؤال بافتراض اقتراح وأنه نصف الإجابة؟
: المقامات لا تبلغ إلا بالاستقامة والعمل الصالح والإحسان لنفسك والعباد ..
• هل أنتم أهل شريعة تهتمون بالظاهر؟  
: وإن لم نكن نحن فمن يكون؟  
• إذن اذكر لنا صيغة البيعة السمانية؟  
: اسمعها بإذن مفتوحة وعقل يقظ : (رضيت بالله رباً و بالإسلام ديناً وسيدنا محمد نبياً رسولاً وبالقران إماماً وبالكعبة قبلة وبالشيخ الجيلي شيخاً ومرشداً ودليلاً وخبيراً، وبالفقرا إخواناً ،  ليّ ما لهم وعليّ ما عليهم . الطاعة تجمعنا والمعصية تفرقنا أقر بالطاعة قدر الاستطاعة) ..  
• هذه ليست بيعة بل دستور؟  
: هي بيعة بلغة الدستور ..
• أليس في عنقكم أية بيعة أخرى؟  
:  نحن ندعم التوجهات الإسلامية ونحن أهل محبة وتسامح ، سلطتنا مختلفة واحتياجنا من متاع الدنيا قليل.. وهكذا أنا هنا رئيس جمهورية طابت ..
• بمناسبة (رئيس جمهورية) أنتم فقدتم الناطق الرسمي لكم بالخرطوم برحيل الشيخ عبد الجبار المبارك .. هل هذا صحيح؟  
: عبد الجبار المبارك هو الظاهرة الثانية بعد الحفيان ، لأنه استطاع استقبال ما يملى من كتابات الفتوح ومؤلفات الحفيان ،  ولا زالت هذه المعاني الكبيرة تنير طريقنا حتى صار الإناء هو لون الماء ، وتربى عبد الجبار على يد الحفيان تربية خاصة وتزوج بنت الحفيان الكبرى ، وكنا أنا والسماني مشغولين بالدراسة العلمية ،  جئنا فوجدناه عالماً ..  
• لذلك كان رحيله صعباً ربما لم تجد من يخلفه في دوره؟
:  رحيله أحدث فراغاً ، ولكن أخي محمد سرور وآخرين معه يلازمون الكتب ،  وهو يحضّر الآن في علم الحديث ..  
• الصوفية بحماسهم التعبدي لا يتواجدون بالقوة ذاتها في صفوف الجهاد في سبيل الله؟  
: اختار المشايخ الجهاد في سبيل الله ليصلوا لمقام الإحسان في طريق الرُجعى إلى الله.. ولعل من ضمن مرجعيتهم الطريقة السمانية .. والفقرا كثيرون جدا في ساحات الجهاد ..
• وقفتم أمام أنصار السنة باختلافكم المشهود دون إحراز أي تقدم .. فأين قيمة التسامح؟
: لا خلاف كبير يمكن تصوره إذا أخذ العاقل الرشيد تدبر الموضوع ، ومعظم ما يحصل عبارة عن تنابز ومهاترات، فنحن كلنا نوحد الله ونؤمن برسوله صل الله عليه وسلم إذن فنحن أيضا أنصار سنة وأهل توحيد ..
• بعد كل هذا العمر من الاختلاف ماذا تتوقع أن يحصل لهذه العلاقة في النظر للدين؟  
: الرسول صل الله عليه وسلم  قضى 12 عاماً يربي الناس ليسيروا على الجادة ، ولم يدخل بهم غزوة إلا بعد إعداد عميق حين صارت أرواحهم وصفاتهم تتقارب مع صفات الملكوت ، ومن ثم نزلت الملائكة تقاتل معهم في بدر ..
• ومن يحتاج لتربية؟  
: الاختلاف القائم هو (صراع مفاهيم) وليس في الأصول ولا في الآيات أو الأحاديث، ولكي أفهم من أخي لابد أن أتوحد معه نفسياً وروحياً بقدر معقول ، وهذا موجود في نظرات في التصوف الإسلامي ، وهذه هي التربية المقصودة ، وأي قدر من الشرح والتحليل يفيد في دعم الحقيقة ويجعلك متسامحاً أكثر مع الآخر بعيدًا عن التنابز بالحكم على الناس كفراً وشركاً ..  
• هل أنت مستعد لإجراء مناظرة مع السلفيين؟  
: من وقت قريب كان معي وفد من علماء التصوف طالبوني بإجراء مناظرة في التلفزيون مع جماعة أنصار السنة ،  ليقف الناس على الحق ،  وقلت لهم ما عندي مانع ..
• أيهما أنفع للناس البخرات والمحاية أم تدريس الناس علوم الدين والمعرفة بالله؟ :  اُنظر لهذه الآية (إذا مرضت فهو يشفين) والدكتور نفسه معالج وليس شافياً .. والشيخ معالج والذي يكتب الشفاء هو الله وحده ، لازم يرسخ هذا في ذهن أي شخص يأتينا للمسيد ..  
• هل أنتم الفرقة الناجية؟
: الصوفية فرقة قائمة على القرآن والسنة ، ونحن مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا ما نعمل به ..
• لماذا تميزت مشيخة طابت عن غيرها بالتأليف حوالي 85 مؤلفاً ؟
: طارق الحق يجد الحق ويهتدي به متى ما كان صادقاً ..  
• أنت شيخ صوفي فكيف تذهب لدار الوهابية بهذه (الماهية) ؟  
: نمشي للسعودية مثل غيرنا لأداء المناسك ولا نرتب لأمر آخر .. وفي الواقع أننا نجد كل الاحترام والتقدير من السعوديين ..
• ألا يطلبون علاجاً من حين لآخر ؟  
:  كثير.. كثير.. كثير.. وبفضل الله يشفون ، ولا نطلب منهم أي مراجعة فيما يعتقدون ..
• لماذا تطلب من الفقرا والمريدين التكتم على الكرامات ؟
:  لأن الكرامة أمر خاص بين العبد وربه، وهذا سبب الإخفاء

من كلمات الشيخ الجيلي بن الشيخ عبد المحمود الحفيان
سارت ركائبنا الي ذاك الحماء
والشوق يحدوا ركب ذاك الحادي
عبارتهم سكبت وزاد انينهم
لاحت لهم انوار حيي الهادي
الكل قد صاد الغرام فؤاده
والبعض مدهوش وذاك ينادي
ان الحبيب لهم اماط لثامه
وجماله . قد فتت الأكبادي
المصطفي. قمر النبوة قد طلع
والكل في شوق لوصل ودادي
نبي حوي كل المحاسن جملة
شمس الكمال لمن يروم رشادي
هذا حبيب الرب سيد خلقة
نبي تقي عابد سجادي
عبد صفي قد صفي من صفوة
عزت مداركه علي الانشادي
هو حق حقيقة الكون الذي
لو لاه ما عبد الاله . بوادي
من اجله برز الوجود من العماء
هو احمد قمر الكمال البادي
عرجت به الاملاك فوق سمائه
فوق الرفارف قد رقاء لمعيادي
قد جاء بالصلوات من رب العلاء
معراج اقطاب كذا عبادي
يامن تنقل في ظهور طاهره
من أقدم الآباء والأجدادي
حتي اتي في رحم آمنة التي
لم تشتكي في حملها الأجهادي
حتي اتي الميعاد يوم بروزه
يوم الوضوع وأعظم الأعياد
يامن ازلت للظلام وظلمه
وبنور ربك قد محوت فسادي
خصاك ربي في الخلائق رفعة
نلت الختام وذروة الأمجاد
ارضاك ربي بالشفاعة في غدا
اشفع تشفع دون أي عدادي
انت المولي في الوجود جميعه
وجميع من فيه.. لكم أجناد
وبذكرك الأكوان فاح اريجها
في مدة الأزمان والأبادي
صل عليك الله يامن جئتنا
بالخير والرحمات والاسعادي
وسلام يتلوها كذاك تحية
بك يا حبي الله تم مرادي
والال والاصحاب اهل جهادكم
قهروا لدين الشرك و الالحادي
الطيبي لكم يفيض محبة
يرجوكم نظرة تنير فؤادي
من حبكم ذو النون صار مغنيا
يشدوا بإمداح إليك يهادي
فعساه ينظم في أهيل محبة
ويقوم ثلث الليل . كالعباد
ويطيب دوما من هموم زمانه
وينال حصن من جميع اعادي


ونعت الطريقة للأمة السودانية قاطبة ورجالات الطرق الصوفية الشيخ الجيلي الذي انتقل إلى رحمة الله  صباح اليوم (الاثنين 14 أغسطس) بتركيا  التي ذهب إليها مستشفياً، ودفن بمدينة  طابت بالجزيرة.
يُشار إلى أن الشيخ الجيلي نشأ في مدينة طابت وتلقي تعليمه  الأساس والأوسط فيها والثانوي بمدرسة حنتوب وتخرج في جامعة الخرطوم ، وتفرغ لخلافة السجادة السمانية بعد وفاة والده في العام 1973  ..
أنا لله وأنا  إليه راجعون .. رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح الجنات وسقاه من كوثر المصطفى صل الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد ب أراضي الجريف شرق    ... 
( نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا ) ..
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل  ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم  ...
في رحاب الله الشهيد أخي (محمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا  ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ ( الغول ) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد ( ....

محمد باعـــــــــــــــــــــو
16/08/2017

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

كيف تدخل الغابة (78) .. الوطن الذي لا وجيع له ... رحيل فاطنة السمحة


بسم الله و الحمد لله

كيف تدخل الغابة (78)
الوطن الذي لا وجيع له
فخر للوطن .. رحمها الله
المناضلة
فاطمة أحمد إبراهيم
(عندي أمنية واحدة إني قبال ما أموت، ألم أطفال الشوارع )


( أنا لله وأنا أليه راجعون)
رحمها الله رحمة واسعة واحسن اليها وسقاها من كوثر المصطفى صل الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا


نقف بتقدير، واحترام، ومحبة في وداع المناضلة الجسورة، الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم، رائدة الكفاح من أجل حقوق الانسان السوداني، والحرية والكرامة والعدالة، الثائرة بوعي وعقل وضمير إنساني، سوداني، وعالمي، في سبيل إنصاف المرأة، وانتزاع حقوقها المشروعة، في التعليم والمشاركة الاجتماعية والسياسية.
فقد السودان فاطمة، التي انتقلت إلى رحمة الله اليوم 12 أغسطس بلندن. إنها تستحق بجدارة أن يصطف أنباء وبنات السودان، من دون استثناء، ليودعوها، في مشهد جماعي، وملحمة وطنية، تعكس مدى تقدير شعبنا، لعطائها، ووفائها، وتضحياتها، ومواقفها النضالية. كانت منحازة لهموم الشعب، وتطلعاته، الإنسانية، الديمقراطية، المشروعة، خلال سنوات طويلة من العمل السياسي الشاق، في أصعب الظروف، وأشدها قسوة.
فاطمة، الرائدة، سودانياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، وقفت بشموخ مواقف صلبة، وشجاعة في وجه الطغاة والجلادين، الذين حكموا السودان، بالحديد والنار، في فترات القمع والبطش، فدفعت ثمناً غالياً، ومريراً، بسبب مواقفها الجريئة الواضحة.
إنها امرأة نادرة المعدن، كسرت حواجز الزمان والمكان، حطمت أغلالاً، ووضعت بصماتها بقوة، على خريطة العمل الاجتماعي والسياسي في السودان، والمنطقة العربية والافريقية والعالم، في وقت كانت حواء العربية والافريقية مكبلة، مقهورة، مستكينة، خانعة، خاضعة، وغير قادرة على كسر أغلال المنع والحظر، والكبت، لكن فاطمة أطلت بوجهها السوداني، وعقلها الوطني، لتقول لا للديكتاتوريات، لا لتهميش النساء، نعم لتعليم حواء السودانية، نعم للحرية، ونعم أيضا لتقاليد الأسرة السودانية العريقة.
فاطمة أحمد إبراهيم عاشت الفترة الأخيرة من حياتها في لندن، التي احتضنتها انسانياً، وقدرت مكانتها، وخلال اقامتها ببريطانيا، ورغم ظروف المرض، لم تقطع وشائج تواصلها مع الناس، كانت – كما يقول من  عاصروها عن قرب – بنت البلد الأصيلة، السيدة الفاضلة، وصاحبة النبض الانساني الجميل، تسأل عن الناس، صغارا وكبارا، وحتى من عملوا معها في بيتها.
في تاريخ فاطمة أحمد إبراهيم الكثير من المحطات المشرقة، التي تستحق أن يتأملها جيل اليوم، الباحث عن حلول ومعالجات لأزمة وطن يئن تحت وطأة القمع، ويبحث عن سبل الخلاص، والحرية، كما يبحث عن “القدوة” في النضال، والصبر على المكاره.
من أهم سمات فاطمة، و خصالها  الإنسانية الطيبة، أنها كانت  في السودان “صاحبة البيت المفتوح” أمام السودانيين القادمين من مناطق السودان البعيدة، الممتدة، كان الناس يأتون إليها من مواقع عدة، يشكون حالهم ومواجعهم، وأحزانهم، لأنهم شعروا، وأحسوا بفطرتهم أنها قريبة من نبضهم، تحدثهم حديث القلب إلى القلب، بمحبة ، بوضوح، وبلغة  إنسانية، سودانية، بسيطة، ونابعة  من القلب والعقل، ولهذا أحبوها، كما  دخلت قلب حواء السودانية وقلوب البسطاء، ومن سمعوا  لغة خاطبها، ومضامينه السياسية والاجتماعية، الواضحة، والشجاعة.
يقول الزميل الصحافي طارق الشيخ الذي نعزيه ونعزي الأسرة كلها برحيل فاطمة أن للفقيدة “الفضل الكبير في صدور قانون الأحوال الشخصية في السودان (في السبعينات في  فترة حكم الرئيس السابق جعفر نميري) ، وأنها “استطاعت بنضالها أن تنتصر لحقوق المرأة السودانية في تاريخ قديم.
نجاحها في المجتمع السوداني، بسبب شجاعتها، ووضوح رؤاها، وقدرتها على الصبر، واحتمال المتاعب، والأذى، وهي تقارع الظالمين، باختلاف أشكالهم وأنواعهم، قابله من جهة أخرى نجاح داخل الأسرة، ويقول طارق الشيخ وهو ابن الأسرة المناضلة، أن “كلمة فاطمة كانت راجحة أيضا داخل الأسرة.
حدثنا عن اجتماع أسري عقد في السبعينات، في بيت الأسرة، التي تعرضت لضربات ونكبات عدة، من الجلادين، وتقرر في ضوء الاجتماع ألا تستمر أيام العزاء لفترة طويلة، عندما تفقد الأسرة عزيزاً أو عزيزة، حتى لا تكون أيام الأسرة أحزاناً مستمرة، وممتدة.
كانت أيام العزاء في السودان في ذلك التاريخ القديم تستمر لفترة طويلة، لكن فاطمة حسمت الموقف داخل الأسرة، وتم الاتفاق، كما يقول زميلنا طارق أن يستمر العزاء لثلاثة أيام، كما شددت على أهمية احترام التعاليم الدينية والتقاليد.
هذا يؤشر إلى أن نجاح أدوار السيدة المناضلة، رائدة حقوق المرأة، فاطمة أحمد إبراهيم في الوسط السياسي والاجتماعي في السودان، كان ينبع من أرضية نجاحها في رسم خريطة معاملات داخل الأسرة والبيت، كما نجحت بإرادتها في انتزاع حقها في التعليم، في تاريخ قديم، لم يكن عدد من الناس يشجع تعليم المرأة، بل كان هناك من يرفضه في شدة.
هذه بعض الجوانب المُضيًة في شخصية فاطمة، وخصوصاً أن السياسي الناجح، سواء كان رجلاً أو امرأة، لا يكتسب الصدقية الضرورية، وهو يرفع أعلام الدفاع عن الحرية، والعدالة، والتغيير الاجتماعي، الإيجابي، إذا لم يُطبًق ويُجسًد القيم، التي ينادي بها  على أرض الواقع، داخل الأسرة، والبيت الصغير أولاً.
هناك الكثير من الإشراقات في حياة فاطمة أحمد إبراهيم، يعرفها سودانيون مهتمون بتاريخ بلدهم، كما يعرفها عرب وأفارقه، وآخرون في العالم، وبينها كما توضح سيرتها الذاتية، أنها كانت سياسية ناجحة، و” صحافية كتبت في البداية باسم مستعار عن قضايا الوطن والمرأة، ثم تولت رئاسة تحرير “صوت المرأة ” التي أصدرها الاتحاد النسائي في العام  1955 ،  والأهم في هذا السياق أنها أول برلمانية سودانية منتخبة في العام 1965 ، أي أنها حظيت بثقة الشعب، لتمثله في برلمان منتخب.
فاطمة، التي تعرضت للملاحقة والسجن، في سنوات حكم الديكتاتورية المتعاقبة في السودان، تعرضت لتجربة أقسى بإعدام الرئيس السابق جعفر نميري زوجها النقابي الشهير الشفيع أحمد الشيخ في العام 1971.
تكاثرت عليها المحن، والمصائب، والتحديات، لكنها ظلت وفية لمبادئها، شجاعة في مواقفها، وعفيفة، هذه سمات مهمة من سمات أي سياسي ناجح أو سياسية ناجحة، خصوصاً أن النزاهة، والأمانة شرطان من شروط السياسي، الوطني، الذي يرفض أن تتلوث يده أو يدها بسرقة مال الشعب.
هكذا يدخل السياسي النزيه، ومن يتصدى لخوض غمار السياسة ساحات العمل العام، ويودعها  باليد النظيفة، فيدخل سجلًات التاريخ، بحروف من نور، كما دخلتها الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم.
رحلت فاطمة، لكنها كانت، وستبقى رمزاً سودانياً مُشرقاً، وستظل حيًة في وجدان أنصار العدالة والمساواة، ومصدر إلهام لعشاق الحرية.
فاطمة أحمد إبراهيم هي سياسية سودانية (1932–2017) وأول سيدة تنتخب كعضو برلمان في الشرق الأوسط في مايو 1965 ومن أشهر الناشطات في مجال حقوق الإنسان والمرأة والسياسة في السودان) وكانت عضوة باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني لعدة دورات.
ماما فاطمة
عندي أمنية واحدة إني قبال ما أموت، ألم أطفال الشوارع”، تضيف فاطمة أحمد إبراهيم ، الحائزة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 1993، في مقابلة تلفزيونية والدموع تُمطر وجهها الأسمر.
ورحلت فاطمة أحمد إبراهيم المولودة في العام 1933 بوسط العاصمة السودانية الخرطوم ، واول امرأة في السودان والشرق الأوسط  وافريقيا تدخل إلى البرلمان ، في مايو 1965 ، توفيت السبت بالعاصمة البريطانية لندن ، عن نحو 85 عاماً بعد صراع طويل مع المرض .
ومنذ أن أعلن خبر رحيل إبراهيم ، والتي منحتها جامعة كاليفورنيا الاميركية الدكتوراه الفخرية عام 1996 نسبة لجهودها في قضايا النساء واستغلال الاطفال صباح أمس ، نعتها الأحزاب السودانية ، على رأسها الحزب الشيوعي السوداني الذي انتمت إليه منذ العام 1956 ،  والذي قال في بيان له ” يحي الحزب الشيوعي الدور الكبير والفعال الذي لعبته من أجل الوطن ونهضة المرأة السودانية وبناء الحزب وسط النساء السودانيات” .  وأضاف ” يهيب الحزب الشيوعي بكل أعضائه والقوى الديموقراطية والوطنية والتنظيمات السياسية والنسائية والشبابية والطلابية وجماهير الشعب السوداني عامة للمشاركة بفعالية في موكب التشييع، بما يليق بمكانة الفقيدة ودورها في الحركة الوطنية والإنسانية  السودانية والعالمية .. لها الرحمة والمغفرة والعزاء لأسرتها ولجماهير الشعب السوداني.
وسرعان ما نعاها الحزب الشيوعي المصري، وأحزاب اشتراكية وشيوعية ومنظمات أخرى حول العالم، بينها الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي والجمعيات الأعضاء في المركز.
وقال الحزب الشيوعي المصري ، “كانت الرفيقة الراحلة عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، ورئيسة الاتحاد النسائي السوداني، ورئيسة الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي سابقاً، واول نائبة برلمانية في السودان وافريقيا والشرق الأوسط، كما أسهمت المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم بفعالية في القضايا الوطنية وتحرير البلاد من الاستعمار ومقاومة الأنظمة الديكتاتورية الغاشمة، وساهمت في قضية تحرير المرأة السودانية من الاضطهاد والجهل والنضال من أجل مساواتها في الحقوق مع الرجل، وحقها في العمل السياسي حتى نالت المرأة حق الاقتراع والترشيح والترشح، حتى تبوأت المرأة في السودان عبر النضال المثابر مكانها وحقها في شغل الوظائف العليا بالدولة وحقها في الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
وأضاف نعي الحزب الشيوعي المصري ” الفقيدة زوجة الشهيد المناضل الرفيق الشفيع أحمد الشيخ سكرتير اتحاد عمال السودان ونائب رئيس اتحاد العمال العالمي، والحزب الشيوعي المصري إذ يتقدم بخالص العزاء والمواساة للحزب الشيوعي السوداني وللشعب السوداني وقواه الوطنية والتقدمية ولأهل الفقيدة وعائلتها .. نؤكد على أنه سيتذكر الجيل الحالي وستتذكر الأجيال القادمة مسيرة الرفيقة فاطمة احمد إبراهيم وستكون نبراساً يضئ طريق الحياة الحرة الكريمة وعدم التمييز في كل انحاء الوطن العربي.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، بآلاف المشاركات، التي تعدد مآثرها، ورحلتها الطويلة في انتزاع الحقوق والنضال.
وقال الدبلوماسي الإرتيري السابق، فتحي عثمان، في صفحته على الفيسبوك “اليوم فجعت البسالة بفقد الكنداكة فاطمة أحمد إبراهيم، تلك التي كانت كلمتها للظالمين: ” هووووي” وكفى.
ويروي عنها الصحفي السوداني إبراهيم علي إبراهيم المقيم بالولايات المتحدة، قصة كان حاضراً لها : “في العام 1999 حضرت اجتماعات التجمع الوطني الديموقراطي.. ونعت التجمع يومها في خطبة صاخبة حينما هاجمت قادة الطوائف .. وقالت إنهم يجرون المعارضة لمصالحة النظام .. وقد كان “.
يضيف إبراهيم: ” أخذها د. الشفيع إلى خارج القاعة لتهدئتها ولكن غضبتها كانت غير طبيعية، رأت ما لم نره، كانت رؤيتها ثاقبة حادة، لم تكن ترحم حتى حزبها الشيوعي ، كانت لا تعرف الأحاديث في الصالونات، لم تكن تعرف القطيعة … كان صوتها عالياً، وقفت ضد النميري، على طول الخط لم تفلح معها الاعتقالات والسجون.. حتى رحيله في ثورة شعبية .. تجاوزت الربيع العربي بعقود.
فاطمة احمد إبراهيم، التزام أخلاقي واحترام لقيم وتقاليد وأعراف الشعب السوداني .. إنها كتاب كبير .. همة عالية وعطاء متصل ، ومواقف ثابتة لا تتزحزح.. هذا يوم حداد وطني فقد رحلت أم السودانيين “.
إلى ذلك ، أعلنت اللجنة القومية لتشييع وتأبين الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم والتي تكونت من التنظيمات السياسية والديموقراطية والنسوية ومن أسرة الفقيدة وأبناء حي العباسية بأم درمان عن تكفلها بنفقات ترحيل الجثمان وترتيب كافة التفاصيل  .
وتزامن ذلك مع إعلان الرئاسة السودانية، نيتها في تحضير جنازة رسمية باعتبار الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم خدمت وطنها طيلة عقود “بإخلاص وتفانٍ.
 يذكر ، أنه بعد منتصف تسعينات القرن الماضي ، إبان العمل المسلح الذي كان يقوده التجمع الوطني الديموقراطي المعارض ، والذي كانت قيادته تتخذ من العاصمة الإرتيرية، أسمرا مقراً لها ، كانت الحكومة السودانية في الخرطوم ، تناصب إبراهيم العداء ، وتتهمها مراراً في التلفزيون والإذاعة الرسميتين ، بالخيانة والتآمر ، والخروج عن الإسلام ، وهو الأمر الذي قد يلقي بظلاله على نية الحكومة إقامة جنازة رسمية لها.
والتقت إبراهيم بالرئيس السوداني ، عمر البشير في مناسبة اجتماعية ، بمدينة القطينة جنوبي الخرطوم ، بعد عودتها للسودان بعد اتفاق السلام الشامل ، في 2005 ، بعد أن كانت غادرت البلاد منذ العام 1990 ، وأثارت تلك المقابلة الاجتماعية جدلاً كثيفاً في الصحافة السودانية وقتها ، وأتبع البشير ذلك بحديث طيب عنها ، ما قد يُعد بمثابة اعتذار لماما فاطمة حسبما يناديها سودانيون كثر بهذا اللقب .
عبقرية فاطنة السمحة
(1)
جمعت بين النقيضين، في تناغم لا يحدث إلّا عند (فاطمة أحمد إبراهيم)، فقد حافظت على المورثات السودانية، وتقاليد (بنت البلد) الأصيلة في تجلياتها، وانطلقت مع مورثاتها تلك نحو الحداثة والتحرر والمساواة والريادة في اصطفاف جميل
.

>   كانت أكثر النساء تحرراً، ومع ذلك لم تتخل عن (الثوب السوداني) حتى في شوارع موسكو المتجمدة، وهي في بواكير شبابها الصاخب، وهي في شيخوخيتها الهادئة.
>  عرفت أن تكون بأخلاقها السودانية النبيلة فاطمة (السمحة)، كما كان يطلق عنها، في الوقت الذي عرفت فيه بـ (الرائدة) فاطمة إحمد إبراهيم، وهي تحدث تلك الطفرة والنقلة لنون النسوة، ليس على نطاقنا المحلي فقط، بل على النطاق العالمي لتكون أول نائبة برلمانية في إفريقيا والشرق الأوسط.
 >  لم أر (تاء التأنيث) في حالة من الصمود والعزة كما رأيتها عندما تقترن بفاطمة أحمد إبراهيم.
>  لذلك تبقى فاطمة أحمد إبراهيم من الشخصيات النادرة ، لا أقول من النساء القليلات، ولكن أقول مطلقاً من (الشخصيات النادرة) التي عرفت أن تجمع بين النقضين دون أن تحدث في ذلك الجمع خللاً و تناقضاً.
>   ما كان ذلك منها، إلّا ليظهر الحسن بضده الحسن.
(2)
>  الشخصية السودانية عرفت فتوحات عالمية بفضل فاطمة أحمد إبراهيم، فقد قدمت فاطمة أحمد إبراهيم للمرأة (طفرة) في ستينيات القرن الماضي، مازال العالم الأول يبحث عنها لنسائه حتى وقتنا هذا.
>  مثلما نضع على مستوى العالم بابكر بدري رائداً في التعليم، ونضع الطيب صالح في مرتبة عبقري الرواية العربية، ومحمد وردي في منزلة فنان إفريقيا الأول، نضع أيضاً فاطمة أحمد إبراهيم رائدة في مجالها (النسوي) دون أن نحدد أفقها بذلك التخصيص.
>  فهي قد أحدثت تقدماً في المساواة بين الرجل والمرأة جعلنا نحسب تقدمها هذا للأمة السودانية كلها وليس للنساء وحدهن.
(3)
>   عبقرية فاطمة أحمد إبراهيم تتمثل في صمودها المشرف رغم الوجعة التي ظلت تحملها العمر كله في جوفها من جراء إعدام زوجها الشفيع أحمد الشيخ.
>   هي كانت مع ذلك (الصمود) ، و دمعتها قريبة، فقد كانت كتلة من العاطفة الجياشة للوطن وللأمومة الشاملة، والتي جسدتها في الكثير من المواقف.
>   عبقرية فاطمة أحمد إبراهيم في أنها مع شاعرية و دبلوماسية ونجومية شقيقها صلاح أحمد إبراهيم الطاغية، ومع مواقف زوجها الشفيع أحمد الشيخ السياسية القوية عرفت أن تحتفظ لنفسها بخصوصيتها وشخصيتها المستقلة ليُعرف صلاح أحمد إبراهيم والشفيع أحمد الشيخ بها في منزلة من منازل (المساواة) العادلة التي ظلت تتدعوا لها بين الرجل والمرأة.
>   فاطمة جمعت بين شاعرية صلاح احمد إبراهيم وبين إنسانيته ومواقف الشفيع أحمد الشيخ وقوته.
(4)
>  لذا يبقى من الطبيعي أن يحجز (الحزن) على كل (الصباحات) في أيامنا هذه.
>  حزننا (شبابيا) على فاطمة احمد ابراهيم التى رحلت بعد ان اكملت (85) عاما.
>  اللهم ارحمها واغفر لها وتقبلها قبولاً حسنا  وأسكنها فسيح الجنات.
>  ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
مقتطفات من حياة فاطمة أحمد ابراهيم 
    تلقت التعليم الأولي في المدرسة الإرسالية بود مدني. ومن ثم تلقت التعليم الأوسط بمدرسة أم درمان الوسطى وتلقت التعليم الثانوي بمدرسة أم درمان الثانوية.
    من الدفعة الأولى التي قادت أول إضراب عرفته مدارس البنات في السودان.
    عملت بالتدريس بالمدارس الأهلية بعد أن رفضت مصلحة المعارف تعيينها لأسباب سياسية.
    من ابرز العاملات في الحقل النسائي ورغم أنها لم تكن من العشر الأوائل اللاتي أسسن الاتحاد النسائي الا انها عملت منذ لجنته التمهيدية الأولي بعد تأسيسه وظلت عضواً قياديا ً به وتولت رئاسته بين 1956-1957 وفي الستينات.
    أشتركت في تكوين هيئة نساء السودان أبان الحكم العسكري عام 1962 م وكان عضو في اللجنة الأولي للهيئة.
    أنشأت مجلة صوت المرأة التي اسهم في إنشائها عدد من اعضا الاتحاد النسائي وأصبحت رئيسة تحريرها.
    جعلت من صوت المرأة منبرا ً فكريا ً معاديا ً للحكم العسكري مما جعل المجلة عرضة للتعطيل أكثر من مرة.
    لعبت دورا بارزا في ثورة أكتوبر 1964م .. وكانت عضوا في جبهة الهيئات.
    أول سودانية تدخل الجهاز التشريعي بالبلاد حيث فازت في دوائر الخرجين في انتخابات عام 1956 م. وبعد ثورة 21 أكتوبر 1964 دخلت البرلمان.
    تفرغت للعمل النسائي وبذلت الكثير في سبيل المرأة السودانية في النضال السري والعلني.
    اشتركت في العديد من المؤتمرات الإقليمية والعالمية وقادت عددا منها .واختيرت رئيسة للأتحاد النسائي الديمقراطي العالمي International Democratic Women’s Union عام 1991  .. وهذه أول مرة تنتخب فيها امرأة عربية أفريقية مسلمة ومن العالم الثالث له .. وعام 1993 حصلت على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان  UN Award .
    منحت الدكتوراه الفخرية من جامعة كاليفورنيا عام 1996 م لجهودها في قضايا النساء واستغلال الاطفال.
    أرملة الشفيع احمد الشيخ أحد أبرز قيادات الحزب الشيوعي السوداني و(رئيس اتحاد عمال السودان ونائب رئيس الاتحاد العالمي لنقابات العمال) حتى إعدامه في يوليو 1971م.
السيرة الذاتية بقلم الراحلة فاطمة أحمد أبراهيم
ولدتُ بمدينة الخرطوم ، بمنزل جدي لأمي الشيخ محمد احمد فضل ، الملاصق لمدرسة أبي جنزير الأولية للبنين وسط الخرطوم ،  وهي أول مدرسة للبنين بالسودان وكان جدي ناظرا لها ، وقبل ذلك وخلال حقبة حكم المهدية ، كان نائبا للقاضي ، المرحوم محمد ابراهيم ، جدي لابي ، وبعد مجئ الاستعمار البريطاني ، سافر جدي لأمي إلى مدينة القطينة في منطقة النيل الابيض ،  واصبح اماما للمسجد لان الحكومة الاستعمارية فصلتهما من السلك القضائي ، وفيما بعد ارسل ابنه احمد – والدي – لمواصلة تعليمه في كلية غردون بالخرطوم – وفي تلك الاثناء كانت العلاقة بين الاسرتين مستمرة إلى ان توجت بزواج والدي من امي ، بعد تخرجه معلما من كلية غردون – لقد قام جدي لأمي بخطوة جريئة ، اذ ادخل امي واخواتها في مدرسة البنين التي يراسها ، لأنه لم تكن هنالك مدرسة للبنات في مدينة الخرطوم – والمدرسة الوحيدة للبنات في السودان آنذاك ، اسسها صديقه الشيخ بابكر بدري ، بمدينة رفاعه – وقد تعرض جدي لهجوم عنيف من قبل اقربائه – ومعارفه – هذا وبعد ان اكملت والدتي واخواتها المدرسة الاولية مع الاولاد ، الحقهن والدهن بمدرسة الارسالية الانجليزية الوسطى للبنات بمدينة الخرطوم – وهكذا اصبحت امي اول سودانية تتعلم اللغة الانجليزية – وطبعا تعرض والدها لهجوم شديد خاصة من الاهل – الامر الذي دفعه لإخراجها من المدرسة بعد اكمال المرحلة المتوسطة ولكن اختها الصغرى – زينب – واصلت حتى الفصل الثاني من المرحلة الثانوية – ثم عينت مدرسة في نفس المدرسة – وهكذا نشأت في اسرة متعلمة ومتدينة من الناحيتين . - كانت لي شقيقتان، نفيسة الكبرى والتومة الاصغر، واربعة أشقاء، مرتضى وصلاح والرشيد والهادي، واثنان توفيا في سن الطفولة ، كانت امي تحب القراءة ، وتواظب ووالدي على قراءة الصحف ، وبالبيت مكتبة كبيرة عامرة بكتب مختلفة ودينية ،  وكان النقاش يدور بينهما حول المسائل السياسية ، ونحن نستمع لهما، وكانت والدتي تشجعنا على القراءة ، ولا زلت اذكر صيحاتها كلما طال وقوفي امام المرآة ، بقولها :"كفاية قيمتك ما في شعرك وتجميل وجهك ، قيمتك فيما بداخل راسك – احسن تملأية بالقراءة، والمعرفة – وبعد تأسيس الاتحاد النسائي ، نظمنا دروسا في الاسعافات الاولية والتمريض المنزلي ، فأكملت دراستها ، ونلت شهادة جيدة – فعلقتها على حائط الغرفة ، وفي مرة أدخل شقيقي الأصغر رجله في جنزير الدراجة، فانغرس في رجله وتطاير الدم من الجرح – فلما رأيته اغمى علي – فجاءت واسعفته واسعفتني – ثم دخلت الغرفة وانتزعت شهادتي من الحائط وقالت لي: "اياك والاستعراض الكاذب – ما فائدة الشهادات، اذا انت عاجزة عن اسعاف شقيقك ، واصبحت انت نفسك في حاجة للإسعاف" ، وكل هذا اثر علي كثيرا – هذا وكانت تنظم لنا مطارحات شعرية اثناء تناول شاي المساء ، الامر الذي جعلنا نحرص على حفظ القصائد الشعرية ، وكان شقيقي صلاح دائما متفوق علينا – وظهرت موهبته الشعرية مبكراً – وكانت اول قصائده عن الشفيع احمد الشيخ ، القائد العمالي ، والذي تزوجني فيما بعد – هذا وفيما بعد اكتشفنا ان لأمي بعض المحاولات الشعرية ، فقد نظمت قصيدة لشقيقي الاكبر مرتضى ، وهو مهندس ، وبعث لبريطانيا للتخصص ، وايضا لأختي نفيسة بعض المحاولات القصصية ، وهي معلمة – وكذلك ولأول مرة نظمت شقيقتي التومة قصيدة في رثاء شقيقي صلاح – وهي موظفه – كما اصدر شقيقي مرتضى كتابا بعنوان: "الوزير المتمرد"، بعد ان قدم استقالته من منصب وزير الري في حكومة جعفر نميري، احتجاجا على سياساته التي ظل ينصحه بإصلاحها ، فلم يستجب – وذلك بعد ان انتهى من تشييد خزان سنار .
وفاتها
توفيت فاطمة فجر يوم السبت في الثالث عشر من أغسطس عام 2017 عن عمر ناهز خمسٍ وثمانين عاماً بعد صراع طويل مع المرض، ونعى كل السودان  الراحلة .. و البعض يصف  فاطمة  بـ"المناضلة الراحلة"

أنا لله وأنا  إليه راجعون .. رحمها الله رحمة واسعة واسكنها فسيح الجنات وسقاها من كوثر المصطفى صل الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد ب أراضي الجريف شرق    ... 
( نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا ) ..
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل  ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم  ...
في رحاب الله الشهيد أخي (محمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا  ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ ( الغول ) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد ) ....

محمد باعـــــــــــــــــــــو
15/08/2017