الاثنين، 31 يوليو 2017

كيف تدخل الغابة (74) ،، عجوبة الخربت سوبا (2) ،، الجريف شرق و التأريخ



بسم الله و الحمد لله
كيف تدخل الغابة (74)
الوطن الذي لا وجيع له
عجوبة الخربت سوبا (2)
الجريف شرق
وعلاقتها بمملكة سوبا و الممالك القديمة

أصول قبائل العنج
(بعضا من تأرخة العنج المنسيين)
 


(نذكر بأننا كتبنا من قبل في المقالات [55 و56 و57] عن العلاقة التاريخية للجريف شرق بفتح الخرطوم على يد القائد الجليل [محمد احمد المهدي] .. بزمن المهدية .. و قد كتبنا المقال الاول [73] في هذا الشأن عن مملكة سوبا .. لدخول أرض الجريف شرق في حدود مملكة سوبا وحدود مملكة علوة قبلها .. ولأستيطانها بقبائل العنج قبل تلك الأزمنة  .. وكذلك لا ننسى الأحفوريات التي استخرجتها البعثة الفرنسية و جامعة الخرطوم و التي تعود الى ما قبل اربعة الف سنة قبل الميلاد ) .
[ملاحظة مهمة] قبل الخوض في التاريخ .. وهي أن تحالف (عبد الله جماع) و (عمارة دنقس) او ما يسمى بدولة الفونج انتصرت على بقايا مملكة سوبا او المملكة الفاصلة بين مملكة سوبا ومملكة الفونج .. والقليل جدا لم يدر بخلده عن ماهية (العنج) وهل هم قبائل نيلية جنوبية .. ام هم قبائل البجا و الأمرار و الحلنقا .. ام هم قبائل كنعانية هاجرت بعد فترة السبي لليهود من الباليين خلال حكم نبؤخذ نصر .. وحسب المتناقل .. أن العنج هم قبائل اشتهروا بالطول .. و التي يتجاوز استيطانها للمنطقة الشرقية للنيل بدأ من شمال سنار الى بدايات الشرق عند عطبرة وانحناء النيل وشمال كردفان وحتي شمال كوستي .. و الملاحظة المعتمة .. سؤال مطروح .. ( هل قام العنج بأرسال المرأة [عجوبة] وابنتها لتخرب مملكة سوبا ) .. حقائق مذهلة ستتوضح من خلال هذه المقالات ..
المقال الثاني به بعض التأرخة لملامح العنج .. وبتوسع أكتر ..  والمقال منقول من الاخ ( عمار شريف ) بصفحة الصور التاريخية بالفيس بوك .. جزاءه الله خيرا


العنج .. جبابرة السودان المجهولين ..
من هم؟ وهل انقرضوا ام مازالوا موجودين
تناولت المصادر العربية أسماء بعض المواضع والمدن بلغت في جملتها ستة عشر ما بين مدينة وبلد واثنتي عشرة جماعة سكانية  .. وقد أطلق ابن سليم على سكان علوة بصورة عامة اسم العلويين نسبة إلى مملكة علوة .. لكن وردت أسماء التجمعات السكانية الكبيرة والصغيرة في أنحاء المملكة المختلفة ولعل أهمها هو العنج ..
العـنج : هل هو الاسم الذي أطلق على سكان السودان في ذلك الوقت؟
وردت إشارات قليلة ومقتضبة في المصادر العربية عن العنج .. فقد جاءت الاشارة عنهم ثلاث مرات في كتاب تشريف الأيام والعصور لابن عبد الظاهر (ت 792 هـ/ 1292 م) صفحات 197 و199 و201 .. ومرة عند الدمشقي (ت 739 هـ / 1328 م) في كتابه نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ص 236.
الإشارة الأولي وردت ضمن عدد من أسماء المناطق التي أرسل إليها السلطان المملوكي قلاؤن 678 – 689 هـ / 1280 – 1290 م الأمير علم الدين سنجر المعظّمي سفيراً .. ولم يوضح الكاتب مواقع تلك المناطق التي أُرسلت إليها السفارة .. كما لم يتمكن الباحثون من تحديد أماكن تلك المناطق التي رجحوا وجودها في مناطق البجة ومملكة علوة .. وقد ذكر الكاتب من بين الأماكن التي وصلتها السفارة منطقة "صاحب العنج"
الاشارة الثانية إلي العنج وردت مرتين أثناء الحملة التي أرسلها السلطان المملوكي خليل بن قلاؤن التي خرجت نحو عام 689 / 1290م بقيادة الأمير عز الدين الأفرم (ت 692 هـ / 1292 م) لتأديب ملك المقرة سمامون لخروجه عن طاعة المماليك .. وقد طاردت الحملة جنوبي مدينة دنقلة أحد الأمراء الخارجين على السلطان ويدعى "آني" ..  وذكر الكاتب أن الحملة وجدت من أخبرها أن الأمير آني:
" له يومان مذ رحل إلي جهة الأنج [العنج]، فتبعه العسكر مسافة أخرى .. وعادوا بعد أن قتلوا خلقاً كثيراً .. وأسروا حريمهم، وأخذوا مالهم .. ورجعوا بغنيمة عظيمة ؟ ولم يسلم الملك آني إلا ومعه سبعة أنفار .. وما أخر العسكر من لحاقه إلا شدة العطش .. ولأن البلاد التي وصلوا إليها بلاد خراب .. مأوى الفيلة والقردة والخنازير والزرافات والنعام ."
ويواصل الكاتب حديثه أنه بعد رجوع الحملة من مملكة مقرة وصل كتاب من ملك الأبواب - في أول بلاد علوة – إلي السلطان المملوكي يذكر فيه أنه تأخر من الحضور إلي الأبواب السلطانية  لأنه كان يطارد الملك آني .. و" أن بلاد الأنج تغلب عليها ملك غير ملكها .. وأنه متحيل في أخذها منه .. وإذا أخذها صار جميع بلاد السودان في قبضة مولانا السلطان وطاعته"
يلاحظ أن اسم العنج لم يظهر في المصادر العربية إلا في نهاية القرن السابع الهجري ( 13م) عندما بدأ المماليك تدخلهم في شؤون مملكة مقُرة .. وكانت المصادر السابقة لهذا التاريخ تتحدث عن المملكتين الكبيرتين مقُرة و علوة وعن ممالك البجة وما يتبعهما من مناطق وسكان .. ولا بد أن الاسم كان معروفاً ومستخدماً في الداخل للدلالة على منطقةٍ "بلاد العنج" .. كما يشير أيضاً إلى السكان كما سيتضح ذلك من نَص الدمشقي الآتي .. ويدل ذلك أن الاسم كان معروفاً وسائد الاستعمال في الداخل .. ولم يكن معروفاً للمسلمين في مصر.
وليس من السهل التعرف على موقع بلاد العنج من خلال ما ورد عن حملة عز الدين الأفرم .. وقد ذكر المؤلف أن عز الدين الأفرم تعدى مدينة دنقلا ثلاثة وثلاثين يوماً في مطاردة الأمير (أو الملك كما يطلق عليه أيضاً) آني .. ولو اعتبرنا أن الحملة "تعدت" دنقلة – كما عبر ابن عبد الظاهر – ثلاثة وثلاثين يوماً في الذهاب والاياب .. تكون قد توغلت فيما بعد مجيئه دنقلا نحو خمسة عشر يوماً .. قد تكون هذه المسافة جنوباً ووصلت إلى منطقة زانكور في شمال كردفان كما يرى عدد من الباحثين .. أنظر: (Arkell, A History of the Sudan p 198)  وتكون شمال كردفان هي منطقة العنج على هذا الرأي .. وأرى أن هذا لرأي يبدو مقبولاً ..
ويرى الدكتور أحمد المعتصم الشيخ (زمن العنج ص 9) أن الحملة توجهت شرقاً من دنقلا إلى أبو حمد .. ثم دخلت الصحراء شرقاً .. وتكون بلاد العنج كما يرى الباحث هي المنطقة الممتدة من أبو حمد شرقاً .. ولا أخالفه الرأي في أن بلاد العنج من الممكن أن تكون ممتدة إلى الشرق من أبو حمد .. إلا أنني لا أرى أن مطاردة الأمير آني كانت في تلك الجهات ..  فالحملة قد سارت من دنقلة نحو خمسة عشر يوماً وهو الوقت الذي يوصلها أبو حمد .. إذ المسافة بين دنقلة وأبو حمد كما قدرها الباحث خمسة عشر يوماً .. وهي كل الأيام التي سارتها الحملة .. فكيف تكون قد توغلت في الصحراء إلى أن بلغت مناطق الحيوانات التي ذكرت في النّص؟ وبناءً عليه يمكن ترجيح أن بلاد العنج الي أشار إليها ابن عبد الظاهر تمتد في منطقة شمال كردفان ..
الإشارة الرابعة عن العنج وردت عند الدمشقي .. فقد نقل الدمشقي عن تجار أسوان أن أصناف النوبة هم : أنج و أزكرسا و والتبان وأندا و كنكا  .. والجديد الذي أضافه الدمشقي عن العنج ما ذكره من أن العنج يسكنون جزيرة كبيرة من جزائر النيل تسمى أندا .. وهو بهذا يوضح مكاناً آخر للعنج وهو الجزيرة الكبيرة والتي يقصد بها في المؤلفات العربية المنطقة الواقعة بين النيل الأبيض والنيل الأزرق كما سنتعرض له لاحقاً .. وهذا مكان ثانياً للعنج بالإضافة إلى المكان الأول الذي ذكره ابن عبد الظاهر وهو المنطقة الصحراوية ..
ويلاحظ في الرسالة – الإشارة الثانية - والتي أرسلها ملك الأبواب إلي السلطان المملوكي يذكر فيها "أن بلاد الأنج تغلب عليها ملك غير ملكها .. وأنه متحيل في أخذها منه .. وإذا أخذها صار جميع بلاد السودان في قبضة مولانا السلطان وطاعته" توضح أن مملكة العنج مملكة كبيرة تسيطر على مناطق واسعة بحيث ذكر ملك الأبواب أن خضوعها يعني خضوع كل السودان .. ويبدو من غير المعقول أن تكون بلاد العنج هنا مقصود بها مملكة علوة.
ويمكن أن نستلخص مما ورد في المصادر العربية عن العنج أنه كانت لهم مملكة كبيرة وواسعة تمتد جنوباً في صحراء بيوضة إلى شمال كردفان .. كما تمتد في الجزيرة الواسعة الواقعة بين النيلين الأبيض والأزرق (الخرطوم حاليا)  وفي أرض البطانة وشرق السودان .. وقد تكون الإشارة إلى العنج مقصود بها كل بلاد علوة .. ويبدو أن سلطة المملكة المركزية لم تكن قوية على أقليم الدولة .. وقد تمتعت بعض هذه الأقاليم من تحقيق كياناتها المستقلة مثل مملكة الأبواب التي خاطبها المماليك مباشرة إلى جانب بعض المناطق الأخرى التي وصلتها سفارة المماليك والتي – يبدو معقولاً – أن بعضها كان في حدود مملكة علوة ..
وإلى جانب ما جاء في المصادر العربية عن العنج وردت عنهم أيضاً بعض المعلومات في المؤلفات المحلية المطبوعة والمخطوطة .. وسنتناول هنا ما ورد عن العنج في كتاب "كاتب الشونة" الذي ألف في القرن التاسع عشر .. وما ورد في مخطوطة ود دوليب التي ترجع إلى القرن السابع عشر الميلادي

ولنا عودة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد ب أراضي الجريف شرق ...
(نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا) .
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم ...
في رحاب الله الشهيد أخي (أحمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ (الغول) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد) ....

محمد باعـــــــــــــــــــــو
31/07/2017

الخميس، 27 يوليو 2017

كيف تدخل الغابة (73) .. عجوبة الخربت سوبا ( 1) .. الجريف شرق و التاريخ


بسم الله و الحمد لله
كيف تدخل الغابة (73)
عجوبة الخربت سوبا (1)
الجريف شرق
وعلاقتها بمملكة سوبا و الممالك القديمة

علاقة الأرض ومعرفة التاريخ
(الفترة الاكثر غموضا في تاريخ السودان)
(العام 1300م – العام 1400م)


(نذكر بأننا كتبنا من قبل في المقالات [55 و56 و57] عن العلاقة التاريخية للجريف شرق بفتح الخرطوم على يد القائد الجليل [محمد احمد المهدي] رحمه الله .. بزمن المهدية .. و اليوم نكتب عن مملكة سوبا لدخول أرض الجريف شرق في حدود مملكة سوبا وحدود مملكة علوة قبلها .. ولأستيطانها بقبائل العنج في تلك الأزمنة )
[ملاحظة مهمة] قبل الخوض في التاريخ .. وهي أن تحالف (عبد الله جماع) و (عمارة دنقس) او ما يسمى بدولة الفونج انتصرت على بقايا مملكة سوبا او المملكة الفاصلة بين مملكة سوبا ومملكة الفونج .. والقليل جدا لم يدر بخلده عن ماهية (العنج) وهل هم قبائل نيلية جنوبية .. ام هم قبائل البجا و الأمرار و الحلنقا .. وحسب المتناقل .. أن العنج هم قبائل البجة .. و التي يتجاوز استيطانها للمنطقة الشرقية للنيل بدأ من شمال سنار الى بدايات الشرق عند عطبرة وانحناء النيل .. و الملاحظة المعتمة .. سؤال مطروح .. ( هل قام العنج بأرسال المرأة [عجوبة] وابنتها لتخرب مملكة سوبا ) .. حقائق مذهلة ستتوضح من خلال هذه المقالات .. وسنبدأ بالمقال المؤرخ لتلكم الفترة .. و الذي كتبه دكتور عبد الله على ابراهيم

[مقال للدكتور عبد الله علي ابراهيم]
يعتقد الدكتور النور بأن جفاة الأعراب هم من خربوا مُلك النوبة المسيحية في سوبا خاصة ،، وهي عقيدة أذاعها ابن خلدون في تاريخه "كتاب العبر" لا المقدمة ،، فقال إن جهينة تكاثرت وتغلبت على النوبة وأزالت ملكهم .. وهو نص إحتوشته الطعون منذ عقود ،، فنقض مؤرخون للنوبة والسودان وصفه لهجرات جهينة من الجزيرة العربية ،، ولمنازلها في السودان ،، وأدوارها المزعومة في تخريب النوبة .. فضَعّفوا وتوثقيه تضعيفاً لم يبق بعده .. في رأي المؤرخ أحمد الياس حسين ..  قِبْلةً للباحثين إلا بفضل شهرة كاتبه
.
خلص أحمد الياس .. في سياق مشروعه لإزالة مسلمات شاعت عن تاريخ السودان في العصر الوسيط .. إلى أن ابن خلدون لم يكن دقيقاً في معلوماته عن جهينة .. وعمم أحكامه .. برغم أنه لا مصداقية لشطر كبير منها .. بل خالف سائر معاصريه ممن أرخوا لهجراتها لأفريقيا ومساراتها .. فجاء وحده بدور مخرب غير أكيد لها هدت به دولة النوبة .
 وهي أخطاء
مستغربة منه في قول أحمد الياس لأنه جاء إلى مصر في 1382 وتوفي بها في 1406 .. مقيما بها لنحو ثلاثة عقود .. قريباً من مسرح الأحداث التي صحبت إسلام ملوك المقرة ..المسيحية والتي أعقبته .
لم تهز تلك المآخذ قناة نص ابن خلدون .. وظل الباحثون يأخذون به على عواهنه .. وربما كان تعويل المؤرخين عليه راجعاً إلى أن خبره هو ما أحتاجوا له لتعذر العلم عن فترة خراب سوبا بغيره .. فسمى يوسف فضل حسن فترة القرنين الخامس عشر والسادس عشر بعد سقوط المقرة في منتصف القرن الرابع فترة إظلام تاريخي. فلا نعرف إلا القليل عنها .. وهذا النذر المعروف انحصر في أدب القبائل وروايات الأنساب .
وقد بدأ من قريب فض مغاليق تاريخ هذه الفترة المجهولة .. وأهمية هذا الكشف عن هذا التاريخ المجهول في مناظرتي للنور أنه برأ العرب من "إثم" تخريب علوة وحمّله للعنج .. والعنج جماعة معلومة بالأسم غير أن فعلها في التاريخ مجهول .. وقيض الله لنا من قريب باحثاً ذرباً هو الدكتور أحمد المعتصم الشيخ جعل الكشف عن غموض العنج موضوع رسالته للدكتوراه في التاريخ من جامعة الخرطوم في 2002 .. وقد جاء فيها لا بالقول الفصل في المسألة (فليس القول الفصل مطلب في البحث العلمي) بل بما نزع الغموض الثقيل عن هذه الجماعة الغامضة المثيرة. فعرّف معتصم بهم وأرجعهم إلى أصل ..  ووصف دورهم التاريخي المجهول .. وألقى ضوءاً على الغموض الذي أحدق بفترة سيادتهم على النيل الأوسط والجزيرة من منتصف القرن الرابع عشر إلى نهاية القرن الخامس عشر الميلاديين .. وهي فترة بلغ من غموضها أن سماها المؤرخون قرون الظلام في تاريخ السودان كما مر.
بعد قراءة معمقة لكافة المكتوب عن العنج أرجعهم معتصم إلى شعب البجا بشرق السودان .. وقال إن مواطنهم الأولى ربما كانت هي منطفة القاش ودلتاها .. وربما كانوا أمة رديفاً لشعب الحلنقا والبلو .. أو هم نفس البشرة و السحنة .. ولن نزيد على ذلك خوف التشقيق الذي لا يحتمله مقال عابر كهذا .. وقال إن بطوناً من العنج تحالفت للسيادة على شرق السودان حتى نهر عطبرة وربما أجزاء من البطانة .. وارتبطت هذه الجماعة بإحسان ركوب الخيل ذات الحجم الأكبر نسبياً .. وهناك إشارات أنهم خضعوا حيناً لملك الحبشة .. وقد تمكنوا من ميناء سواكن فكان لهم نصيب في جماركه.
وكان العنج مملكة .. وصف معتصم نظامهم ب "الإقطاعي" .. فهو مقسم بصورة جامعة مانعة إلى رعايا وحكام (أصلهم كلهم في البجا) تحكمه أعراف تؤسس لدونية الرعايا وامتياز الصفوة التي تستولى على فائض الإنتاج بتسخير الرعايا في نشاطات إنتاجية عائدها للسادة .. ودين العنج موضع خلاف. فقد قيل إنهم تنصروا ثم أسلموا .. وإن وصفوا عامة بتجاهل الدين .. وقد استثمروا قوتهم بإحسانهم ركوب الخيل .. ومواردهم من المؤاني والتجارة الشرقية ..  فأخضعوا معظم البجا لهم .. وبدأوا منافسة ممالك النوبة مثل مملكة الأبواب (وهي مملكة قامت في دار الجعليين أو شملت دار الرباطاب) ودولة علوة في عائد تجارة البحر الأحمر والتعدين في صحراء البجا.
والجديد في دراسة معتصم هو قوله بالنزاع بين دولة العنج البجاوية والأبواب والمقرة النوبيتين .. فالخصومة لم تكن محصورة بين العرب والنوبة كما هو مشهور ..  فقد كان اللاعبون في الميدان ثلاثة لا اثنين .. وكانت القلاع الحصينة بمنطقة الرباطاب .. وهي من الأبواب .. من أطرف مصادر معتصم ..  وهي قلاع مبنية كلها على الضفة الشرقية للنيل مما يشير إلى المصدر الشرقي للخطر الذي بنيت للدفاع عنه .. وما يزال اسم هذه القلاع السائر بين الرباطاب هو "قلاع العنج" .
ويعتقد أحمد أن شعب الأبواب تعرض لغارات العنج البجاويين لفترة ثم خضع لهم في فترة تلت 1317 بقليل .. وبسيطرة العنج على دولة الأبواب أصبحوا على بوابة سوبا .. عاصمة علوة وهي خصم ومنافس أيضاً .. وأصبح سقوطها مسألة الوقت. وربما يفسر هذا عبارة "كاتب الشونة" الغامضة "إن العنج كانوا تغلبوا على النوبة" بغير تحديد زمان أو مكان أو تفصيل ..  وهذا أيضاً ما تواتر عند كثير من الجماعات السودانية. فالتقاليد السودانية الشفاهية تقول أيضاً إن الذي أطاح بمملكة علوة هم العنج
.
وستساعدنا دراسة أحمد .. التي عزت سقوط النوبة المسيحية في الأبواب و علوة إلى العنج البجاويين .. في إعادة النظر في المعارف الموروثة لذلك السقوط ..  فقد ساد عندنا كما تقدم أن الذين أسقطوا علوة المسيحية هم العرب بواسطة تحالف قاده عبد الله جماع من جماعة القواسمة ..  وقد سمى "عبد الله" بجماع لتمكنه من تجميع حلف بدوي ضد مملكة علوة الظالمة في نهاية القرن الخامس عشر .. ولا غضاضة في خراب قوم ملك قوم لولا أن ما قام به العرب في زعم الزاعمين قد جري وصفه كعمل من أعمال الفوضي ..
وهي صورة مستوحاة بصورة أساسية من ابن خلدون كما مر ..  فقد نسب تحول النوبة إلى الإسلام إلى سقوط دولتهم نتيجة لغارات العربان عليهم بصورة عاثوا فيها إضطراباً وسلباً .. وأضاف شبه متحسر أنه هكذا تمزقت دولة النوبة أشتات وورثها العرب الذين خلا ملكهم من دبارة الحكم .. فالعربي يستنكف الخضوع لأمر أخيه .. وقد سادهم بالنتيجة الخلاف في السودان إلى يوم ابن خلدون ذاك. فانعدمت بالقطر سلطة مركزية تلم شعثه .. وربما كان قول ابن خلدون هذا تطبيقاً لنظريته في العمران والعصبية لم يصادف محله أو أهله .. فالذي أسقط علوة المسيحية في رأي معتصم هم العنج .. وهم أصحاب مملكة ونظم مرعية في الحكم والإدارة .. أما الذي ربما أطاح به العرب (مع الفونج) فهو دولة أخرى قامت على أنقاض سوبا المسيحية .. وهي العنج .. وربما كانت لهم أسبابهم القوية لإسقاطها
.
طلب النور أن نتحرى تاريخنا وننقيه من الأوهام مثل عزتنا الجوفاء بإسلامية الفونج وتعريبها بينما هي غير كذلك .. ورأينا مثل هذه الهمة أعلاه عند السفير الدكتور معتصم .. صبر على وكد الأكاديمية حتى انتهى إلى تجديد الهواء في غرفة تاريخ سوبا وخرابها الذي تلقيناه عن ابن خلدون مطأطي العقل مستنيمين له .. وهو ما لم يقبله فشق طريقاً وعراً لحقيقة خراب سوبا الباكر .. وقام اجتهاده في هذه الناحية على تجشمه فتح أرشيف وثائقي مبتكر من مرويات القبائل والآثار ..  وتوافر مثل هذا الأرشيف هو شرط التجديد في كتابة التاريخ  .. وأتمنى أن يكون استنطاقه هذه المصادر المستحدثة وخلاصته منها موضوعاً يبعث راقد التاريخ فينا .. أو راكضه وهكذا

ولنا عودة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد ب أراضي الجريف شرق ...
(نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا) .
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم ...
في رحاب الله الشهيد أخي (محمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ (الغول) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد) ....

محمد باعـــــــــــــــــــــو
27/07/2017

الأربعاء، 19 يوليو 2017

طلال مدثر يكتب ،،، اديبة شرق الشمس .. غرب البحر



بسم الله و الحمد لله
طـــــلال مــــدثر يكتب ،،،
أديبة..شرق الشمس..غرب البحر
مأساة فقدان أم سودانية (أديبة فاروق)




(1)

الطريق لمنزل صاحبة القضية الاشهر هذه الايام بالسودان "اديبة فاروق" بحي ابو ادم جنوب الخرطوم ليس سهلا !
تحتشد بذاكرتك وانت تعبر صوب المنزل الكثير من الاسئلة وتحاصرك استفهامات شتى في يوم اختفاءها المريب الثامن ليطل السؤال الابرز اين هي الان يا ترى اديبة؟.
خرجت لجلب زاد من الخبز عند الثانية منتصف النهار ولم تعد بعدها ابدا...ابدا .. ابدا.....
شاب عشريني وضع سماعات الراس على اذنيه كان هو دليلنا ومرافقي الصديقين محمد عبد الماجد وسامي علي .. سألنا عن مربع ستة بأبو ادم دون ان نشير لوجهتنا على وجه الدقة والتحديد فتكفل بطرح السؤال والرد عليه في ان واحد وعاجلنا بسرعة "ماشين بيت المرا المفقودة مش كدا ؟ الاستوب  داااك شايفنه؟  بس خشو بيهو يمين وعلى يدكم اليمين طوالي  حتلاقو الصيوان"
شكرناه ومضينا على ذات الوصف ... عند الاشارة المرورية المقصودة استوقفتنا جلبة شديدة وضوضاء تعطلت على اثرها حركة السير بالطريق بينما ارتسم الفضول على وجه كل سائقي المركبات المتراصة وكل يسال الاخر بحذر " في شنو هنا لو سمحت" لكن لا احد...لا احد يجيب!
تخطينا موقع الجلبة بقليل وتوقفنا عند سائق احدي الركشات المعطائين فتكفل دون مشقة بإشباع رغبتنا في معرفة سبب الضجة صائحا "والله يمكن يجي عشرين ولا تلاتين شاب نزلوا ضرب في بعض شديد قبل شوية هنا وجات الشرطة ساقتهم"
شكرناه جميعا بحرارة دون منحه مساحة اخرى للاسترسال وكأنما بنا لحظتها وقد اصابتنا لذة الشعور بالانتصار لكون اننا نجاحنا في الحصول على حقيقة ما جرى هنا رغم انف من تجاهلوا مسبقا إشفاء غليل سؤالنا بهز رؤوسهم بلامبالاة مثيرة للغيظ ثم اكملنا الطريق صوب سرادق فقدان اديبة.
وصلنا لموقع السرداق..."صيوان فقد " كبير نصب امام المنزل د وامتدت مساحته لتظلل وجوها اعياها الترقب وقتلها صمتا الانتظار.
شققنا الجموع بحثا عن زوجها امام عبد الباقي النعمة بحسب ما التقطنا من ورقة البلاغ المدون في سجلات الشرطة ..قلت لمرافقي حدقوا جيدا في الوجوه وابحثوا عن رجل خمسيني يرتدي جلبابا ابيض ونظارة طبية تنسدل برباط حول عنقه ينتهي عند اذنيه...التقطت التفاصيل من اخر صورة شاهدتها له بمواقع التواصل ثم بدانا ثلاثتنا البحث.
التفاصيل طابقت رجلا يجلس رفقة ثلاثة من الرجال بدا من محياهم انهم من رجال العشيرة .. التفت صوبنا ليستقبلنا بترحاب كبير وبحرارة تسامت عنده فوق وجع الفاجعة فبادلناه التحية بأحسن منها والقينا على مسامعه بعضا من عبارات المؤازرة والمواساة قبل ان تصك اذني عبارة "الفاتحة...الفاتحة" لألمح بطرف عيني صديقنا سامي وهو يهم برفع يديه للعزاء ففغرت فاهي من الدهشة واغلقت عليه سريعا المنافذ بان تعمدت مجددا رفع صوتي عاليا للرجل مرددا " ربنا يجمعكم بيها ويرجعها سالمة بأذن الله" ففهم سامي الرسالة وانزل سريعا يديه وسلم بحرارة على الرجل الذي سارع واخبرنا بانه شقيق زوج المفقودة وليس زوجها لكن تفضلوا...تفضلوا فأجلسنا وسط ترقب كثيرين علنا نحمل لهم في جعبتنا نبا يسر قلبا او خبرا يزيح عنهم غمة وضيق.
اثنين من الشباب توجها صوب محمد عبد الماجد وبادلاه التحية والسؤال عن حال الهلال مبدئين اعجابا كبيرا بما يخطه قلمه بينما توجه شيخ وقور نحوي ليبدئ ملاحظة حول حلقة تلفزيونية كانت ضيفتها وزيرة التربية والتعليم بولاية الجزيرة ويقول "كان تعصروها زيادة ياخ" فابتسمت وانحنيت براسي سريعا نحو صديقنا الثالث سامى لأساله متعجبا " يا زول انت فاتحة شنو الكنت عاوز تشيلها ؟ الزولة دي مفقودة ما ميته" فرد بسرعة " انا قريت في الفيس انها لقوها مقتولة والقتلوها ناس الفرن وافتكرت ده الحصل" ثم رفع بعدها يديه للسماء يدعوها ان تفك عنها كربتها وتعيدها سالمة لأبنائها.
قطع علينا مجلسنا شاب مهذب وهو يطلب منا السلام على زوج ام الكل الان اديبة فهببنا سريعا لمصافحته فصافحنا بترحاب كبير ومحبة ثم طلب منا التفضل بالجلوس.
نظر الي بوجه تكسوه ابتسامة تخفي وراءها ما تخفي من وجع وانين ثم عاجلني بقوله " عرفتك بالصوت بس وانا بسلم " شكرته متمتما ببضع كلمات ونظراتي تسبق كلماتي وتبرق بالسؤال :هل من جديد بشان اديبة؟
اطرق الرجل قليلا براسه...اعاد اصلاح وضعية نظارته ثم بدا الحديث.


"2-2"

جلست الى زوج أديبة... اطرق الرجل براسه قليلا...اعاد اصلاح وضعية نظارته ثم بدا الحديث.
• "للأسف مافي اي جديد في الموضوع والليلة ليها تمانية يوم من اختفت وما عارفين لسه الحاصل عليها شنو"
استغليت انشغال مرافقي في الجلسة واقتربت منه اكثر لأساله قائلا: إحساسك بقول ليك شنو بصراحة يا عم امام؟ مفقودة و حترجع؟ ولا مختطفة ومقيده حركتها؟ فرد مفصحا عن احساسه بكل وضوح واتحفظ  بدوري في ايراد اجابته لتقديرات اراها تقتضي ذلك .
إضاءة شاشة هاتفه التي لا تكف عن التوهج معلنة وصول محادثة جديدة اثارت انتباهي فلحظ ذلك مستوعبا لفضولي وقال "من حصلت القصة دي وانتشر الخبر ده التلفون ده ما سكت .. كل زول بسأل وبدعي ويحاول يعرف اذا في جديد .. اسمع براك" ثم امتدت يده لزر الاجابة واستقبال المحادثة مع تشغيل مكبر الصوت ليأتي صوت احداهن من الطرف الاخر وهي واجلة  تسال بكل جزع ان كان هناك جديد بشان اديبة ثم تضيف " والله ما بنعرفها ولا حصل لاقيناها لكن والله بس من صورتها ساكت ردناها في الله وان شاء الله ربنا يجمعها بيكم يا رب" ثم تسترسل مهمهة بنواح نسائي معهود مصحوبا ب "بركة سيدي الحسن " كما قالت وتنتهي المحادثة.
هممت بطرح سؤال اخر معدلا في وضعية جلوسي لكن الهاتف الملحاح يرفض ان يكف عن الصراخ معلنا عن مكالمة اخري جديدة تسال عن اديبة.
دفع الامام هذه المرة بهاتفه صوبي وطلب منى ان ارد بنفسي واسمع .. استجبت لطلبه ولامست شاشة هاتفه لابدا مكالمة اخرى ملتاعة لإمرأة نائحة تسال عن اديبة ولا تعرفها!
غبطة تملكتني لحظتها تجاه هذا الشعب المعلم العظيم...يساندك عند الشدائد...يشاركك مواجعك ..يحزن لحزنك بل ويرقص في فرحك دون ان تكون بينه وبينك رابطة قرابة سوى انك سوداني وهو ايضا!
انهيت المحادثة ودفعت بالهاتف سريعا لرفيقنا سامي ليتولى مهمة الرد علي محادثة اخرى قفزت على الشاشة بمجرد ما فرغت من محادثتي مع المرأة المتصلة.
غالبية المتصلين كانوا نساء...ربما لان اديبة صارت قصتها تشكل رمزية في لا وعي الكثير من النساء وباتت ايقونتهم الملتهبة الان .
عدت لمحدثي زوج اديبة الاستاذ الامام وقلت له " المواقع تضج بالكثير من القصص والروايات يا عم امام "
فهم مقصدي الخجول من السؤال وابتسم ليجيب " قالوا مرة انها بتعاني من مرض نفسي؟ ومرة مشاكل اسرية؟ ومرو مشاكل في الحي ؟ صاح ؟....تجاهلت التأكيد على هذه الشائعات لأدعه يكمل حديثه بجلد ورباطة جأش مذهلة لرجل يعاني ويلات فقد بالاختفاء لشريكة عمر وحياة بدأت من ليبيا ثم انتهت حيث اديبة هي الان فحدثني قائلا:-
اديبة زولة خوافة والشارع ده بتخاف منه وبتحب اولادها جدا لدرجة ولدها الصغير ده حمته يمشي الفرن ومشت هي بدله وهي زولة بكامل صحتها النفسية ووعيها وما عندنا ذاته مشاكل مع زول...انا زول في حالي ذاتي وما عندي مشكلة مع زول ولا اكلت حق زول ولا عندي حاجة تتاكل ذاته وكنت بمشي سنار واجي وعايشين في امانة الله لحدي ما مرقتها الاخيرة المرقتها للفرن دي والمرقه الياها.
قاطعته متسائلا : وين هو الفرن ده؟
اشار لي بيده ناحية الاتجاه يمينا وانت خارج من المنزل ..تنعطف بعدها مباشرة نحو اليمين لتعبر طريقا مختصرا يفضي بك مباشرة الى المخبز القابع على ناصية المكان مطلا على شارع ترابي عريض وحيوي تعبر من خلاله السيارات ويعج بالمارة واربعون ثانية...40 ثانية بالضبط كان هو الزمن الذي استغرقته في الوصول من منزل اديبة للمخبز بعد ان تعمدت حساب الزمن الذي يستغرقه المشوار من المنزل اليه فكانت 40ثانية فقط.
قلت له سمعت حديثا اليوم "امس الاول الاثنين" عن بحث للشرطة تم بواسطة الكلاب البوليسية وخلص لنتائج.
بدا غير متفائلا بالأمر وحكي لي الرواية المتداولة التي سمعتموها والتي تتحدث عن منزل مجاور تحت التشييد ركض اليه الكلب البوليسي ونبشت ارضيته الشرطة وقفز منه لمنزل مجاور وبقية التفاصيل المتداولة التي سمعتموها والتي لا اميل شخصيا لسردها للخصوصية التي يحتاجها العمل الشرطي في مثل هذا النوع من القضايا ويتقاطع معها احيانا دون قصد من الناس او اكتراث شغفهم وولعهم بالتفاصيل.
قطع صوت حديثنا جلبة حدثت في السرداق...اجتمعت العشيرة في دائرة وتوجهت انظار كل من كان بالمكان صوبها ليستجلي ما يحدث.
لم يلتفت الامام...اكتفى بالإشارة نحوهم بيدهم وقال لي " هؤلاء اهلنا و عشيرتنا وكما تراهم بلغ منهم الصبر مبلغا واظنهم يتشاورون في امر ما في ما بينهم"
عدت ببصري ناحيته لأساله " الاولاد كيف"؟
خلع نظارته ومسح بكم جلبابه على عينيه فاستغليت السانحة لأرى ملامح هذا الصمود المتخفي خلف هذه العدسات الزجاجية الشفافة ولم ارى ساعتها سوى انكسار اب لا يملك ان يقدم لأبنائه اجابة شافية على سؤال " امي وين؟" وما أقساه من انكسار.
كانت اقسي لحظات جلوسي معه...بدا صوته واهنا جدا متعبا هذه المرة وهو يجيب بحشرجة واضحة "حالتهم حالة وتعبانين خالص وعاوزين امهم وبسألوا عليها".
تداخل معنا بالحديث شاب مهذب شاركنا الجلسة عارضا على ان التقيهم اذا رغبت في ذلك فقاطعته بسرعة "لا لا...خليهم".. لم اكن مستعدا لخوض غمار اختبار قاسي كهذا وبدا ذهني مرعوبا من فكرة ماذا اذا ما باغتني احدهم بالسؤال عن اين امي الان؟
تركت الامام مستغلا سانحة قيامه للترحاب بزوار قادمين للسرداق ووداع اخرين ذاهبين على امل ان يعودوا مع عودة اديبة وطلبت من محدثي ان يأخذنا صوب المنزل تحت التشييد المجاور للفرن وما ان عبرنا خارج الصيوان الا ولحق بنا مجددا الزوج المفجوع ليلح علينا قائلا" عليكم الله ما تمشو الا تقعدو تتغدو"
يا للهول ! اي رجل هذا الذي يتذكر واجبا سودانيا اصيلا في عز فاجعته هذه! اي رجل !
شددت على يده بقوة واعجاب واعتذرت له بشدة عن عدم قدرتنا على البقاء فصاح احدهم من الجالسين امام بوابة المنزل "يا اخوانا اقعدوا والا حيحلف عليكم طلاق...طلاق !! وتذكرت ساعتها اديبة ومضيت.
ذهبنا نحو الفرن الذي بدا على النحو الذي ذكرناه بعد ان مررنا علي المنزل تحت التشييد والذي عدنا اليه مرة اخري ودلفنا لداخله بعد ان لحظت ان الشرطة لم تفرض عليه قيدا او طوقا امنيا بحيث لا يسمح بالعبور وواجهته مفتوحة دون حائط خارجي او باب في حين تكفل مرافقينا بسرد خط سير الكلب البوليسي والبحث الذي اجرته الشرطة على ارضية المنزل الخلفية الترابية ثم اتجاه الكلب بغد ذلك صوب.....النيل!
شئ ما اعادني مرة اخرى للسرداق لوداع العم الامام .. ثمة الفة نشأت بيني وبينه دفعت بي للعودة لوداعه ومؤازرته مرة اخري مع رغبة في احتضانه لإفساح المجال لهذه الاعين المجهدة للبكاء لكن جلده ورباطة جأشه وقف حائط سد عنيد بينه وبين ذلك.
صافحني بامتنان ..قدم شكره الجزيل على الزيارة ثم اشاح بوجهه بعيدا عنا... بعيدا .. شرقا صوب الشمس حيث حتما ستسطع يوما شمس الحقيقة... وغربا صوب..... البحر  !!

"انتهى"
 

  https://www.facebook.com/tlal.mdthr/posts/10212851153503122

https://www.facebook.com/tlal.mdthr/posts/10212860318572243 

(جزاك الله خيرا الاخ و الرفيق طــــلال مــــدثر)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد ب أراضي الجريف شرق ...
(نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا) .
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم ...
في رحاب الله الشهيد أخي (محمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ (الغول) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد) ....

محمد باعـــــــــــــــــــــو
 19/07/2017