الأربعاء، 19 يوليو 2017

طلال مدثر يكتب ،،، اديبة شرق الشمس .. غرب البحر



بسم الله و الحمد لله
طـــــلال مــــدثر يكتب ،،،
أديبة..شرق الشمس..غرب البحر
مأساة فقدان أم سودانية (أديبة فاروق)




(1)

الطريق لمنزل صاحبة القضية الاشهر هذه الايام بالسودان "اديبة فاروق" بحي ابو ادم جنوب الخرطوم ليس سهلا !
تحتشد بذاكرتك وانت تعبر صوب المنزل الكثير من الاسئلة وتحاصرك استفهامات شتى في يوم اختفاءها المريب الثامن ليطل السؤال الابرز اين هي الان يا ترى اديبة؟.
خرجت لجلب زاد من الخبز عند الثانية منتصف النهار ولم تعد بعدها ابدا...ابدا .. ابدا.....
شاب عشريني وضع سماعات الراس على اذنيه كان هو دليلنا ومرافقي الصديقين محمد عبد الماجد وسامي علي .. سألنا عن مربع ستة بأبو ادم دون ان نشير لوجهتنا على وجه الدقة والتحديد فتكفل بطرح السؤال والرد عليه في ان واحد وعاجلنا بسرعة "ماشين بيت المرا المفقودة مش كدا ؟ الاستوب  داااك شايفنه؟  بس خشو بيهو يمين وعلى يدكم اليمين طوالي  حتلاقو الصيوان"
شكرناه ومضينا على ذات الوصف ... عند الاشارة المرورية المقصودة استوقفتنا جلبة شديدة وضوضاء تعطلت على اثرها حركة السير بالطريق بينما ارتسم الفضول على وجه كل سائقي المركبات المتراصة وكل يسال الاخر بحذر " في شنو هنا لو سمحت" لكن لا احد...لا احد يجيب!
تخطينا موقع الجلبة بقليل وتوقفنا عند سائق احدي الركشات المعطائين فتكفل دون مشقة بإشباع رغبتنا في معرفة سبب الضجة صائحا "والله يمكن يجي عشرين ولا تلاتين شاب نزلوا ضرب في بعض شديد قبل شوية هنا وجات الشرطة ساقتهم"
شكرناه جميعا بحرارة دون منحه مساحة اخرى للاسترسال وكأنما بنا لحظتها وقد اصابتنا لذة الشعور بالانتصار لكون اننا نجاحنا في الحصول على حقيقة ما جرى هنا رغم انف من تجاهلوا مسبقا إشفاء غليل سؤالنا بهز رؤوسهم بلامبالاة مثيرة للغيظ ثم اكملنا الطريق صوب سرادق فقدان اديبة.
وصلنا لموقع السرداق..."صيوان فقد " كبير نصب امام المنزل د وامتدت مساحته لتظلل وجوها اعياها الترقب وقتلها صمتا الانتظار.
شققنا الجموع بحثا عن زوجها امام عبد الباقي النعمة بحسب ما التقطنا من ورقة البلاغ المدون في سجلات الشرطة ..قلت لمرافقي حدقوا جيدا في الوجوه وابحثوا عن رجل خمسيني يرتدي جلبابا ابيض ونظارة طبية تنسدل برباط حول عنقه ينتهي عند اذنيه...التقطت التفاصيل من اخر صورة شاهدتها له بمواقع التواصل ثم بدانا ثلاثتنا البحث.
التفاصيل طابقت رجلا يجلس رفقة ثلاثة من الرجال بدا من محياهم انهم من رجال العشيرة .. التفت صوبنا ليستقبلنا بترحاب كبير وبحرارة تسامت عنده فوق وجع الفاجعة فبادلناه التحية بأحسن منها والقينا على مسامعه بعضا من عبارات المؤازرة والمواساة قبل ان تصك اذني عبارة "الفاتحة...الفاتحة" لألمح بطرف عيني صديقنا سامي وهو يهم برفع يديه للعزاء ففغرت فاهي من الدهشة واغلقت عليه سريعا المنافذ بان تعمدت مجددا رفع صوتي عاليا للرجل مرددا " ربنا يجمعكم بيها ويرجعها سالمة بأذن الله" ففهم سامي الرسالة وانزل سريعا يديه وسلم بحرارة على الرجل الذي سارع واخبرنا بانه شقيق زوج المفقودة وليس زوجها لكن تفضلوا...تفضلوا فأجلسنا وسط ترقب كثيرين علنا نحمل لهم في جعبتنا نبا يسر قلبا او خبرا يزيح عنهم غمة وضيق.
اثنين من الشباب توجها صوب محمد عبد الماجد وبادلاه التحية والسؤال عن حال الهلال مبدئين اعجابا كبيرا بما يخطه قلمه بينما توجه شيخ وقور نحوي ليبدئ ملاحظة حول حلقة تلفزيونية كانت ضيفتها وزيرة التربية والتعليم بولاية الجزيرة ويقول "كان تعصروها زيادة ياخ" فابتسمت وانحنيت براسي سريعا نحو صديقنا الثالث سامى لأساله متعجبا " يا زول انت فاتحة شنو الكنت عاوز تشيلها ؟ الزولة دي مفقودة ما ميته" فرد بسرعة " انا قريت في الفيس انها لقوها مقتولة والقتلوها ناس الفرن وافتكرت ده الحصل" ثم رفع بعدها يديه للسماء يدعوها ان تفك عنها كربتها وتعيدها سالمة لأبنائها.
قطع علينا مجلسنا شاب مهذب وهو يطلب منا السلام على زوج ام الكل الان اديبة فهببنا سريعا لمصافحته فصافحنا بترحاب كبير ومحبة ثم طلب منا التفضل بالجلوس.
نظر الي بوجه تكسوه ابتسامة تخفي وراءها ما تخفي من وجع وانين ثم عاجلني بقوله " عرفتك بالصوت بس وانا بسلم " شكرته متمتما ببضع كلمات ونظراتي تسبق كلماتي وتبرق بالسؤال :هل من جديد بشان اديبة؟
اطرق الرجل قليلا براسه...اعاد اصلاح وضعية نظارته ثم بدا الحديث.


"2-2"

جلست الى زوج أديبة... اطرق الرجل براسه قليلا...اعاد اصلاح وضعية نظارته ثم بدا الحديث.
• "للأسف مافي اي جديد في الموضوع والليلة ليها تمانية يوم من اختفت وما عارفين لسه الحاصل عليها شنو"
استغليت انشغال مرافقي في الجلسة واقتربت منه اكثر لأساله قائلا: إحساسك بقول ليك شنو بصراحة يا عم امام؟ مفقودة و حترجع؟ ولا مختطفة ومقيده حركتها؟ فرد مفصحا عن احساسه بكل وضوح واتحفظ  بدوري في ايراد اجابته لتقديرات اراها تقتضي ذلك .
إضاءة شاشة هاتفه التي لا تكف عن التوهج معلنة وصول محادثة جديدة اثارت انتباهي فلحظ ذلك مستوعبا لفضولي وقال "من حصلت القصة دي وانتشر الخبر ده التلفون ده ما سكت .. كل زول بسأل وبدعي ويحاول يعرف اذا في جديد .. اسمع براك" ثم امتدت يده لزر الاجابة واستقبال المحادثة مع تشغيل مكبر الصوت ليأتي صوت احداهن من الطرف الاخر وهي واجلة  تسال بكل جزع ان كان هناك جديد بشان اديبة ثم تضيف " والله ما بنعرفها ولا حصل لاقيناها لكن والله بس من صورتها ساكت ردناها في الله وان شاء الله ربنا يجمعها بيكم يا رب" ثم تسترسل مهمهة بنواح نسائي معهود مصحوبا ب "بركة سيدي الحسن " كما قالت وتنتهي المحادثة.
هممت بطرح سؤال اخر معدلا في وضعية جلوسي لكن الهاتف الملحاح يرفض ان يكف عن الصراخ معلنا عن مكالمة اخري جديدة تسال عن اديبة.
دفع الامام هذه المرة بهاتفه صوبي وطلب منى ان ارد بنفسي واسمع .. استجبت لطلبه ولامست شاشة هاتفه لابدا مكالمة اخرى ملتاعة لإمرأة نائحة تسال عن اديبة ولا تعرفها!
غبطة تملكتني لحظتها تجاه هذا الشعب المعلم العظيم...يساندك عند الشدائد...يشاركك مواجعك ..يحزن لحزنك بل ويرقص في فرحك دون ان تكون بينه وبينك رابطة قرابة سوى انك سوداني وهو ايضا!
انهيت المحادثة ودفعت بالهاتف سريعا لرفيقنا سامي ليتولى مهمة الرد علي محادثة اخرى قفزت على الشاشة بمجرد ما فرغت من محادثتي مع المرأة المتصلة.
غالبية المتصلين كانوا نساء...ربما لان اديبة صارت قصتها تشكل رمزية في لا وعي الكثير من النساء وباتت ايقونتهم الملتهبة الان .
عدت لمحدثي زوج اديبة الاستاذ الامام وقلت له " المواقع تضج بالكثير من القصص والروايات يا عم امام "
فهم مقصدي الخجول من السؤال وابتسم ليجيب " قالوا مرة انها بتعاني من مرض نفسي؟ ومرة مشاكل اسرية؟ ومرو مشاكل في الحي ؟ صاح ؟....تجاهلت التأكيد على هذه الشائعات لأدعه يكمل حديثه بجلد ورباطة جأش مذهلة لرجل يعاني ويلات فقد بالاختفاء لشريكة عمر وحياة بدأت من ليبيا ثم انتهت حيث اديبة هي الان فحدثني قائلا:-
اديبة زولة خوافة والشارع ده بتخاف منه وبتحب اولادها جدا لدرجة ولدها الصغير ده حمته يمشي الفرن ومشت هي بدله وهي زولة بكامل صحتها النفسية ووعيها وما عندنا ذاته مشاكل مع زول...انا زول في حالي ذاتي وما عندي مشكلة مع زول ولا اكلت حق زول ولا عندي حاجة تتاكل ذاته وكنت بمشي سنار واجي وعايشين في امانة الله لحدي ما مرقتها الاخيرة المرقتها للفرن دي والمرقه الياها.
قاطعته متسائلا : وين هو الفرن ده؟
اشار لي بيده ناحية الاتجاه يمينا وانت خارج من المنزل ..تنعطف بعدها مباشرة نحو اليمين لتعبر طريقا مختصرا يفضي بك مباشرة الى المخبز القابع على ناصية المكان مطلا على شارع ترابي عريض وحيوي تعبر من خلاله السيارات ويعج بالمارة واربعون ثانية...40 ثانية بالضبط كان هو الزمن الذي استغرقته في الوصول من منزل اديبة للمخبز بعد ان تعمدت حساب الزمن الذي يستغرقه المشوار من المنزل اليه فكانت 40ثانية فقط.
قلت له سمعت حديثا اليوم "امس الاول الاثنين" عن بحث للشرطة تم بواسطة الكلاب البوليسية وخلص لنتائج.
بدا غير متفائلا بالأمر وحكي لي الرواية المتداولة التي سمعتموها والتي تتحدث عن منزل مجاور تحت التشييد ركض اليه الكلب البوليسي ونبشت ارضيته الشرطة وقفز منه لمنزل مجاور وبقية التفاصيل المتداولة التي سمعتموها والتي لا اميل شخصيا لسردها للخصوصية التي يحتاجها العمل الشرطي في مثل هذا النوع من القضايا ويتقاطع معها احيانا دون قصد من الناس او اكتراث شغفهم وولعهم بالتفاصيل.
قطع صوت حديثنا جلبة حدثت في السرداق...اجتمعت العشيرة في دائرة وتوجهت انظار كل من كان بالمكان صوبها ليستجلي ما يحدث.
لم يلتفت الامام...اكتفى بالإشارة نحوهم بيدهم وقال لي " هؤلاء اهلنا و عشيرتنا وكما تراهم بلغ منهم الصبر مبلغا واظنهم يتشاورون في امر ما في ما بينهم"
عدت ببصري ناحيته لأساله " الاولاد كيف"؟
خلع نظارته ومسح بكم جلبابه على عينيه فاستغليت السانحة لأرى ملامح هذا الصمود المتخفي خلف هذه العدسات الزجاجية الشفافة ولم ارى ساعتها سوى انكسار اب لا يملك ان يقدم لأبنائه اجابة شافية على سؤال " امي وين؟" وما أقساه من انكسار.
كانت اقسي لحظات جلوسي معه...بدا صوته واهنا جدا متعبا هذه المرة وهو يجيب بحشرجة واضحة "حالتهم حالة وتعبانين خالص وعاوزين امهم وبسألوا عليها".
تداخل معنا بالحديث شاب مهذب شاركنا الجلسة عارضا على ان التقيهم اذا رغبت في ذلك فقاطعته بسرعة "لا لا...خليهم".. لم اكن مستعدا لخوض غمار اختبار قاسي كهذا وبدا ذهني مرعوبا من فكرة ماذا اذا ما باغتني احدهم بالسؤال عن اين امي الان؟
تركت الامام مستغلا سانحة قيامه للترحاب بزوار قادمين للسرداق ووداع اخرين ذاهبين على امل ان يعودوا مع عودة اديبة وطلبت من محدثي ان يأخذنا صوب المنزل تحت التشييد المجاور للفرن وما ان عبرنا خارج الصيوان الا ولحق بنا مجددا الزوج المفجوع ليلح علينا قائلا" عليكم الله ما تمشو الا تقعدو تتغدو"
يا للهول ! اي رجل هذا الذي يتذكر واجبا سودانيا اصيلا في عز فاجعته هذه! اي رجل !
شددت على يده بقوة واعجاب واعتذرت له بشدة عن عدم قدرتنا على البقاء فصاح احدهم من الجالسين امام بوابة المنزل "يا اخوانا اقعدوا والا حيحلف عليكم طلاق...طلاق !! وتذكرت ساعتها اديبة ومضيت.
ذهبنا نحو الفرن الذي بدا على النحو الذي ذكرناه بعد ان مررنا علي المنزل تحت التشييد والذي عدنا اليه مرة اخري ودلفنا لداخله بعد ان لحظت ان الشرطة لم تفرض عليه قيدا او طوقا امنيا بحيث لا يسمح بالعبور وواجهته مفتوحة دون حائط خارجي او باب في حين تكفل مرافقينا بسرد خط سير الكلب البوليسي والبحث الذي اجرته الشرطة على ارضية المنزل الخلفية الترابية ثم اتجاه الكلب بغد ذلك صوب.....النيل!
شئ ما اعادني مرة اخرى للسرداق لوداع العم الامام .. ثمة الفة نشأت بيني وبينه دفعت بي للعودة لوداعه ومؤازرته مرة اخري مع رغبة في احتضانه لإفساح المجال لهذه الاعين المجهدة للبكاء لكن جلده ورباطة جأشه وقف حائط سد عنيد بينه وبين ذلك.
صافحني بامتنان ..قدم شكره الجزيل على الزيارة ثم اشاح بوجهه بعيدا عنا... بعيدا .. شرقا صوب الشمس حيث حتما ستسطع يوما شمس الحقيقة... وغربا صوب..... البحر  !!

"انتهى"
 

  https://www.facebook.com/tlal.mdthr/posts/10212851153503122

https://www.facebook.com/tlal.mdthr/posts/10212860318572243 

(جزاك الله خيرا الاخ و الرفيق طــــلال مــــدثر)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبض علي مدير النزع و التسويات(علاء الدين) واحتجازه بقسم حلة كوكو في قضايا تلاعب وفساد ب أراضي الجريف شرق ...
(نحنا مرقنا ضد السرقوا أرضنا) .
--------------------------------------
التحية للمناضلين بدر الحاج ... السر الجزولي
المناضلين عن الحق و العرض والأهل ...
--------------------------
اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم ...
في رحاب الله الشهيد أخي (محمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا ...
-------------------------
وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ (الغول) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد) ....

محمد باعـــــــــــــــــــــو
 19/07/2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق