الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

كيف تدخل الغابة (63) ... الجريف شرق وحديث المؤرخين (29)

بسم الله و الحمد لله

كيف تدخل الغابة (63)
الوطن الذي لا وجيع له
الارض المحتلة ... ضد الجريف (29)
(حديث المؤرخين)
الجريف شرق ما لها وما عليها


كتب المؤرخ : جعفر حسن حمزة ، الآتي :
الجريف شرق – ما لها وما عليها -
*
موقعها:
الجريف شرق تلك البقعة التاريخية، الأثرية الحضارية. وهي ذات موقع مميز، حيث تحد من ناحية الجنوب بأم دوم ،ومن الشرق بأمتدادات الجريف شرق ومن الشمال بحلة كوكو، ومن الغرب تحد بالنيل الأزرق.
وهي تقع شرق مطار الخرطوم بحوالي 7كلم فقط. وهنا مربط الفرس، وموقعها المميز جعلها مطمع للكثير من الجهات. لاسيما حكومة ولاية الخرطوم.
*
تاريخها:
تتميز الجريف شرق بتاريخ أصيل وحضارة ضاربة في القدم، حيث ترجع إلى عهود ما قبل الإسلام. (4500سنه ق .م) وهناك دراسات قديمة وحديثة تؤكد هذه المعلومة. فهي قد كانت جزء أصيل من حضارة سوبا شرق، وقد ثبت ذلك بالدلائل والشواهد الأثرية والتي كانت من قبل الباحث والمؤرخ الشهير، المرحوم صلاح عمر الصادق (بالتعاون مع البعثة السودانية الفرنسية في عام 1983م ) في مؤلفه: تقارير آثارية عن المواقع الأثرية بالسودان، مكتبة الشريف الأكاديمية 2006م . وحديثاً بحث ماجستير للأستاذ أسعد عبد الرحمن من جامعة الخرطوم 2011م .
فقد كانت الجريف شرق ومعها سوبا شرق ثاني مدينة( بعد مروى) من الناحية العمرانية والتجارية في عهد ما قبل الإسلام.
وعند ظهور الإسلام كذلك كان لها قدم السبق في استقبال الدين الإسلامي، وقد أشار لذلك اللواء(م)الخير عبد الجليل المشرف أثناء دراساته العليا بإيران. حيث وجد كتاباً يوضح بأن ببلاد السودان مركزان للحضارة الإسلامية على بلدة تسمي الجريف شرق سبق دخول عبد الله بن أبى السرح عبر الشمال إلى السودان (راجع كتاب الجريف شرق منارة العلماء والصالحين،تحقيق الأستاذ  أبو القاسم عثمان،ص12).كما أشار لذلك د. حسن الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله في كتابه ، السودان دار الهجرتين الأولى والثانية للصحابة ، ص.15
وفي عهد دولة الفونج الإسلامية كانت لها الريادة كذلك في نشر الدين الإسلامي بقيادة علمائها وشيوخها في ذلك الزمان أمثال الشيخ حجازي والشيخ عبد الأحد والشيخ عبد الرحمن الحادو وابنه صباحى ود طراف وحفيده سرحان والشيخ صباحى الأزرق وعمه الشيخ الحاج عبد اللطيف (المؤرخ والعالم السوداني الشهير قبل أكثر من 400عام) والشيخ ود أبو عمارة والشيخ الزين الشابك والشيخ الزين حفيد الفكي صغيرون وغيرهم كثير وقد جاء ذكر العديد منهم في طبقات ود ضيف الله.
واستمر تمسك أبناء الجريف شرق بتعاليم الدين الإسلامي ونشره عبر جميع العهود وحتى الآن . بل وصلوا مرحلة إن ضربوا رقم قياسي في وجود المساجد على مستوى العالم. وهذا ما اعتمدته إحدى المجلات الخليجية قبل حوالى 30 عاماً.
ومن الرموز العلمية والقيادية والتربوية من السلف الصالح ( على سبيل المثال لا الحصر ) الراحل الأمين احمد باعو مؤسس أول خلوة لتعليم النساء ، في عشرينات القرن الماضي ، كثاني رائد لتعليم المرأة بعد بابكر بدري، و الزين أحمد عثمان ( الزين الجريفاوي ) الشاعر القومي الشهير على نطاق كل السودان ، والفكي يوسف بابكر مؤسس المعهد العلمي في الأربعينات وهو ثاني معهد علمي بولاية الخرطوم ، والفكي أحمد عبد الرحمن بلال خريج المعهد العلمي بأمدرمان صاحب النبوغ والبصمة الواضحة في التعليم ، والعالم الفقيه محمد حاج الطيب المبارك النابغة في علمه المتميز في أخلاقه . وحاج عبد الله أحمد نابري رجل العلم والعمل ، والعلماء النجباء في عهدي التركية والمهدية مثل إبراهيم الحاج احمد و الفكي المدني أحمد فضل الباري ، والفكي محمد أحمد العوض وإخوته ، والفكي محمد حمد الحاج الفائز والفكي الجيلي بابكر . وفي عهودنا القريبة مثل الأستاذ الشهير إبراهيم صباحي ، أستاذ الجيل المعاصر. ومجذوب يوسف بابكر المحامي والقيادي المعروف وغيرهم كثير .
والآن أحفاد هؤلاء العلماء والشيوخ تجدهم قد أبدعوا في جميع المجالات العلمية والقيادية على مستوى ولاية الخرطوم والسودان قاطبة.
فمنهم على سبيل المثال اللواء معاش الحاج خالد العوض ، القيادي الحربي والخبير الاستراتيجي منذ عهد عبود وحتى نهاية عهد نميري والفريق أول معاش فاروق حسن محمد نور – أول الكلية الحربية السودانية في عام 1970م وقد تقلد العديد من المناصب منها المفتش العام - نائب رئيس هيئة القادة والأركان، ووالى كسلا سابقاً.ود.جاه الله محمد نور- أستشاري جراحة العظام بألمانيا والسودان . و الخبير مضوي حاج محمود ود.مصطفى الطيب أستشاري الجراحة العامة ببريطانيا. الأستاذ عبد الوهاب خوجلي والأستاذ سلام عباس والمترجم القانوني (لغة ألمانية) عمر حسن حمزة بالسعودية وألمانيا ود.أبو القاسم عمر الفكي أبو القاسم .الإقتصادي المرموق بالسعودية ود. محمد الحاج البشير اختصاصي المختبرات الطبية بالسعودية والسودان.ود.يوسف حسين حاج الطيب الاختصاصي البارع بالامارات ومطور جهاز المناظير بتقنية أعلى وكلفة اقل بالإمارات وجاء ذكره في مجلاتهم وأخبارهم العلمية هناك. ود. مصطفى عبد الباقي المهندس المحترف والذي شارك في توسعة الحرم النبوي. ود. عبد الغفار إبراهيم مالك المحاضر بالجامعات السودانية صاحب التجربة المقدرة في مجال الإعلام والعلوم الجغرافية والأستاذ القدير احمد الطيب على خالد المحاضر اللغوي المشهور داخل وخارج السودان والأستاذ المحترم الطاهر عبد القيوم المراجع العام بالسودان والشيخ /محمد الفكي المهدي الموهبة الربانية الفذة في العلم والمعرفة ، والشيخ/ حسب الرسول إبراهيم العالم العامل . والقاضي النبيه حسن الشاذلي محمد احمد بدولة الإمارات والسودان . ود.أبو القاسم موسى ، مدير مستشفى عطبرة سابقاً.والطبيب د.فتح الرحمن محمد موسى أستشاري المسالك البولية بأوربا.والطبيب د. محمد حسين حاج الطيب صاحب التجربة الطبية الناجحة داخل وخارج الجريف، والكيميائي الشهير بالسعودية والسودان الزين محمد الطيب والأستاذ اللغوي والمؤلف رائد شباب الجريفات أبو القاسم عثمان الطيب خير والمحاضر اللغوي في الجامعات السعودية والسودان د.سلوى إدريس
و د.اشرف عثمان موسي أستاذ التداوي بالأعشاب الطبية ود.عثمان قرشي المحاضر بالسعودية في مجال اللغة الانجليزية والمحاضر سليمان الكامل احمد حامد في مجال الصحة العامة .والأستاذ جاد الله محمد سليمان مدير تعليم الكبار بولاية الخرطوم، وأستاذ الأجيال عبد الله التجاني المليح المؤلف الشاعر يوسف حسن حمزة والقاص الروائي صديق عبد الصادق حاج الطيب ود. عمر الجيلي يوسف مدير مستشفى الشعب بالخرطوم . والعديد من حملة الدكتوراة والماجستير وخريجي الجامعات والمعاهد العليا, والأطباء والمهندسين وغيرهم كثير وفي مختلف المجالات وهذا على سبيل المثال لا الحصر وعذراً للذين لم نذكرهم.
ومع وجود هذه الرموز العلمية والقيادية على أرفع المستويات فهم يتميزون بالتواضع الجم, وبالتصوف الإسلامي المعتدل لدرجة أن جعل البعض يتجاهلونهم ويحقرون من قدرهم وقدر منطقتهم.
فمنهم علماء وأحفاد علماء ومنهم شيوخ أحفاد شيوخ ومنهم فرسان أحفاد فرسان, ففي مجالات الفروسية والمشاركات الوطنية, لهم قدم السبق والتاريخ يذكر لهم ( مثالاً لا حصراً) مشاركاتهم الكبيرة مع الشيخ العبيد ود بدر في حصار الترك والقضاء عليهم (وفي هذا الشأن توجد الآن مقابر الشهداء بالمنطقة) بل منهم الأمراء أمثال الشيخ بابكر عبد القادر الحضاري حفيد الشيخ حجازي.وعدم إعطاء الناس قدرهم مشكلة, وعدم أحترام التاريخ و الأهتمام به كارثة؟.
*
الجريف شرق وصناعة الطوب الأحمر:-
وعلى عجالة نذكر إرتباط سكان المنطقة بصناعة قدمت لهم وللوطن الكبير وبالأخص ولاية الخرطوم الكثير.
فحرفة أو صناعة الطوب الأحمر بالمنطقة قديمة وأصيلة والمساس بها خط أحمر. وتاريخياً كما أثبت ذلك الباحث الأستاذ أسعد عبد الرحمن في بحثه القيم عن صناعة الطوب الأحمر بمنطقة الجريف شرق إنها ترجع إلى عهد مروي, وليس إلى عهد التركية كما كان يعتقد. و يوضح بأن إنسان هذه المنطقة أرتبط بهذه الصناعة وأصبحت من الموروثات والقيم الشعبية عندهم. وقد أفادتهم إقتصادياً, كما أفادت غيرهم من سكان المناطق الأخرى ( حكومية وخاصة ). ومعظم المصالح الحكومية في السابق والآن بولاية الخرطوم تم إنشاؤها من طوب هذه المنطقة, وهذا مايؤكده التاريخ والباحثين المهتمين.
ولكن يبدو أن هنالك أطماعاً طرأت على هذه المنطقة من حكومة ولاية الخرطوم ممثلة في الوالي. فهم بصدد إزالة هذا الموروث الشعبي التاريخي الحضاري علماً بأن هنالك ما يفيد بأن كل منشأة يمر عليها مائة عام تعتبر منشأة أثرية يجب الحفاظ عليها بأعتبارها ثروة قومية يتكاتف الجميع على حمايتها وأحترامها.(وأعني في هذه الجزيئية المباني الأثرية التاريخية المتاخمة للنيل)
فصناعة الطوب الأحمر أو ما يعرف بالكمائن تمثل لأبناء الجريف المعين الذي لا ينضب, والذهب الذي لا يصدأ والروح التي تمدهم الحياة تاريخياً ومهنياً ونفسياً و أجتماعياً و إقتصادياً........الخ.
بل والأمرّ من ذلك أنهم بصدد تغيير التركيبة السكانية ( بصورة مباشرة وغير مباشرة) وذلك بتغيير سكان الجريف شرق من الناحية الغربية المتاخمة للنيل حيث إنهم بصدد إنشاء تركيبة سكانية إجتماعية جديدة وذلك من خلال إنشاء مدينة النيل الأزرق بمخطط جديد, يرونه تجديداً وتطويراً في المنطقة. ونراه نحن سكان الجريف شرق طامة كبرى ومصيبة من مصائب الزمن بل كارثة تاريخية لن تضمدها كنوز الأرض ولن يبرأ جرحها حتى قيام الساعة.
وهي حرفة قد تأقلم معها إنسان هذه المنطقة بيئياً. وإذا كان هذا خطأ أن نتأقلم معها فنحن راضون بذلك . والأخطر في نظرنا أن تزال هذه الصناعة وأن يزال معها جزء عزيز من منطقتنا. والذي نراه جنتنا في هذه الفانية. ونرضى كذلك بتعرضنا لأبخرتها الموسمية والتي تحدث من الفينة للأخرى. ومن جانب آخر فالأخطار البيئية والصحية على مستوى الولاية والسودان حدث ولا حرج والشواهد كثيرة. ولكن إختصاراً عليكم الرجوع إلى كتاب الموارد البيئية والتنمية في السودان تأليف الدكتور الطيب أحمد المصطفى حياتي صـــــ111.والذي يوضح لنا أن معظم صناعات ولايات السودان وفي الخرطوم خصوصاً لا توجد بها أي معالجات بيئية وصحية مثل صناعة الدباغة, النسيج, الصابون, الزيوت, الدواجن, المذابح, الأغذية.......الخ. بل وتشكل هاجساً صحياً بيئياً يومياً وبملوثات خطرة للغاية.
*
الخلاصة:-
خلاصة القول نقول بأن الجريف شرق تعتبر من أقدم المناطق في السودان ومن أعظمها حضارةً وأصالةً. وقد شكلت بعداً عميقاً في نشر تعاليم وقيم الإسلام في عصوره المختلفة. لا سيما منذ عهد الفونج وحتى الآن. والجانب الصوفي المعتدل متجذر في جميع سكان المنطقة.لذا التجديد والتطوير الذي تعنونه هو دمار وإهدار لنا نحن سكان المنطقة.أما عن إزالة الموروث الشعبي التاريخي الأول والأصيل فيها وهي صناعة الطوب (الكمائن) هو إزالة لتركيبة سكانية وإجتماعية مستقرة. عليه نأمل ودياً دراسة هذه القضايا معنا دراسة متأنية بواسطة مختصين نزيهين في مجالات علم الأجتماع أكثر من مختصين في مجالات مهنة النزع والإزالة. فنحن شعب إجتماعي حضاري تاريخي ذو قيم إسلامية . والحداثة بمفهومكم أنتم هي فساد بمفهومنا نحن.
إضافة – لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلي :
اسعد عبد الرحمن عوض الله  
حرفة الطوب الأحمر بمنطقة الجريف شرق
دراسة حالة حرفة تقليدية – منظور آثاري أثنوغرافي   
بحث ماجستير الآداب في الفلكلور  
معهد الدراسات الأفريقية والأسيوية - جامعة الخرطوم  
مارس 2011م

والله خير الشاهدين

الله يجزيك خير الجرافي الأصيل جعفر حسن حمزة


ولنا عودة

اللهم أرحم شهيدي الجريف شرق ... شهيدي الأرض و العرض ... شهيدي الدم و الرحم ...
في رحاب الله الشهيد أخي (محمد عبيد) والشهيدة أمي (منى النخلي) ... اللهم أجعلهم في ركاب الشهداء و الصديقين و الصالحين ...  رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته وسقاهما من كوثر المصطفي صل الله عليه وسلم شربة لا يظمآن بعدها أبدا ...

وأعود اذكر بقول جدي الراحل (مصطفي علي عوض الكريم) الشهير بـ (الغول) عليه رحمة الله ... (مهما قالوا مهما كتبوا .. فالجريف من رحم واحد) ...

محمد باعـــــــــــــــــــــو
02/11/2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق