الأربعاء، 30 يوليو 2014

كيف تدخل الغابة (2) ... الوطن الذى لا وجيع له ... فرحة حزين


ارشيف










بسم  الله والحمد لله

كيف تدخل الغابة (2)

الوطن الذى لا وجيع له

فرحة حزين

لا يمكننى سوى وصف وطنى السودان إلا بذاك العنوان .. كناية عن الألم المضمحل عن الفرحة المنطلقة خجلة فى دنيا وطنى التائه .. وكناية عن الوجع المتدفق بقوة البراكين كل نبع الألم فى قلب وطنى ...
وطنى سادتى لا وجيع له .. فبالأمس القريب نال المنتخب الأولمبى السودانى كأس شرق ووسط أفريقيا .. او ما يسمى بـ (كأس سيكافا) .. ولشدة النخوة والتشجيع القوى لفريقى الهلال والمريخ قطبى الكرة السودانية .. ولحرص مشجعى الهلال على تبخيس ما أتى به فتية فريق المريخ الأشاوس لكأس سيكافا مرتين .. فقد وصفوه بكأس المجاعة ...
وعلى هذا الوصف يمكن وصف نيل المنتخب الأولمبى لكأس سيكافا .. بأنه نال كأس المجاعة .. ولذا لا داعى للفرحة ولا داعى للمسيرات الهادرة التى تحدث عقب كل مباراة بين قطبى الكرة السودانية .. ولا داعى لإطلاق أبواق السيارات فى مسيرة للسيارات تطوف شوارع أمدرمان او الخرطوم او بحرى ...
لا داعى سادتى لأن نفرح من أساسه .. ألا ترون أن وطنى بلا وجيع .. وطنى مزخم الأنف بروائح الحروب والموت والتفرقة .. وطنى مستلب الإرادة من بنيه .. لا يفرحون لفرحه .. ولا يبكون لوجعه .. ولا شئ حتى يوحى من هذا وذاك القبيل .. فقط لوحده متحسراً يعاقر خمر الأحزان .. يدوام كؤوس الموت شراب .. ينادم الفرقة و الموت والإحتراب ...
وطنى سادتى محتاج لجرعات قوية من مورفين التوهان والضلال وإنعدام الرؤية الحقيقية لحوادث الأمور وسوءها .. وطنى يحتاج لدواء لداء لا دواء له سوى صحو أبنائه .. او يمكننى القول محتاج لكارثة قوية .. تجعل أبناء وادى حلفا يزودون عن حوض نمولى .. دون الرجوع للأفكار السوداء الإبراهيمية العبودية .. ويجعل أبناء رمبيك يزودون عن حوض دنقلا .. دون تجرع مرارات الماضى المظلم التى غرسها المستعمر البريطانى ...
وأبنائه سادتى يحتاجون لكثير من الأدوية المنشطة لهمة الوطنية .. وهذا هو مربط الفرس .. هذا هو الوجيع .. وحق على وطنى الضلال والتيه والضياع فى مزابل أبنائه .. لا وطنية يمكن أن ننشدها فى قلوب الإخوان الشرفاء .. وكيف ذلك ومن حكم قبل ثلاثة عقود يريد أن يحكم الآن .. من حكم عن ما يربو عن الثلاثون عاماً يريد أن يعود لكرسى الحكم .. وكل ذلك بمنطق الحياة الأبدية لشيخنا او رئيسنا او أستاذنا .. نعم أنا صوفى مائة مائة والحمد لله .. ولكن يمكن أن تنفع الصوفية وطرائقها المتعددة فى الجماعات الصغيرة .. ولكنها لن تنفع لحكم وطن فى حجم السودان .. لتعدد القبائل وتداخل اللهجات وإنحناء الكيانات تجاه لإسئثار القبائل والأهل نحو الأنانية او التعصب القبلى لشأن الكيان الواحد ...
ولكن سياسة الرئيس الدائم او المشيخة الدائمة لن تنفع لإدارة السودان .. وهكذا هو فهم القادة الذين حكموا منذ نيف وثلاثون عاماً يأتون الآن لحكم الوطن .. لا وجيع سادتى صدقونى .. فكيان ذاك الرئيس الأسبق لن يميل سوى إلى تبجيل قائده دون تبجيل الوطن .. فالإثنان لن يلتقيان القائد السابق والوطن .. وذلك لخراب سياسات القائد السابق او إنتهاء مدة صلاحيته مما يجعله غير آهل لتولى الأمور والسياسات وإدارة أزمة فى القرن الواحد والعشرين بمفهوم الديناصور وأهلية الكهوف ...
هذا وطنى سادتى .. فالقادة القدماء ينظرون إلى كأس سيكافا بأنه كأس مجاعة .. او انه كأس من الصفيح .. ولا أهمية سواء فاز به المنتخب الأول او الثانى او (الطيش) كما يقولون ...
فرحتى لا تحدها حدود .. ولكن أحزان واطنى فاقت حدّ المعقول .. وصلت إلى حدود اللاحدود .. ثم تركتها تلك الأحزان لتدخل حتى حدود ما بعد الحدود .. فى إشارة إلى ثوب العولمة الجديد .. عصر ما بعد الحداثة ...
ولكن سادتى مرة أخرى أعيد ترديد تلك الجملة التى كررتها منذ أول مقالة فى سلسلة (كيف تدخل الغابة) .. فسيحترب المحتربون .. وسينهب الناهبون .. وسيصرخ الصارخون .. وسيبنى البناءون .. وسيبهج الباهجون .. وسيجوع الجائعون .. ولكن فى النهاية تبقى أرضنا تلك لتعيد بناء نفسها .. صدقونى سادتى .. سينتفض الوطن يوماً ما .. وسيزيل كل نجاسات أبنائه .. ويبقى هو طاهراً لأجيال تعمره ...
سيبقى وطنى وتذهبون جميعاً .. وكل ما تفعلوه الآن ما هو إلا فرفرات مذبوح يطلق آخر أنفاسه .. وسيكون لوطنى من يعتز به .. سيكون له وجيع يحمل كأس (اللعوتة) او كأس (الكتيناب) ليباهى به فى المحافل الدولية بأنه أعظم من كأس العالم نفسه .. والذى حين ذاك سيصبح كلعبة بين يدى وطنى العزيز ...
ومبروك لمنتخبنا الأولمبى فوزه بكأس سيكافا للمرة الثانية على التوالى للعام 2007 .. وأسأل الله أن يجعل كل أيامك فوز وفرح ياوطنى العزيز ...

والحمد لله على ما أراد الله

محمد عثمان باعــو
 23/12/2007    













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق