الأربعاء، 30 يوليو 2014

كيف تدخل الغابة (1) ... الوطن الذي لا وجيع له ... (العبارة التى تساوى عهداً)

ارشيف










بسم الله و الحمد لله

كيف تدخل الغابة (1)

الوطن الذي لا وجيع له
(العبارة التى تساوى عهداً)

أسائل نفسى .. هل ثمانية عشر عاماً من الحكم والتربع على كرسى السلطة قد عاد على الإنقاذ او الوطن بشئ .. وما جعلنى أطرح هذا السؤال هو فكرة او تخيل الوضع وأنت مواطناً عادياً .. وقد كنت قائداً .. ونزلت إلى أرض المواطنية والشعوبية المغلوبة على أمرها .. ولا أقول بفعل فاعل .. ولكن لنفترض جدلاً أنها سنة الحياة .. فقد ذكر الله عز وجل (وتلك الأيام نداولها بين الناس) .. وهذا كناية عن حكمة ( لو دامت لغيرك لما آلت إليك ) ...
فما هو شعور وأنت قد نزلت لذلك الواقع المزرى كما تعتبره نفسك .. فى حين أن رؤيتى لهذا الأمر بأنه نعمة .. لأنه يوم القيامة أنا أول المحاسبين .. بإعتبار أننى راعى ومسئول عن رعيتى ...
دار هذا الأمر فى مخيلتى وأنا أشكر الظروف التى جمعتنى بتلك الشخصية القائدة .. والتى كانت كذلك فى يوم من الأيام .. حيث ساقتنى خطواتى لقضاء عمل ما ببناء برج الفيحاء الراسية على شط شارع المناضل الفذ على عبد اللطيف .. والذى قاوم حتى حكمة لو دامت لغيرك لما آلت إليك .. وهو يدوم بأعماقنا كذكرى رائعة لأبطال شجعان قاوم الإستعمار وتغيير تاريخ الأوطان من المتغربين و الغربيين ...
وفى مصعد تلك البناية الفاخرة .. ساقتنى الأقدار لألتقى تلك الشخصية وجهاً لوجه .. ونحن الإثنان لوحدنا وعينيه إلتقت عيناى لتطلق شفتاى تحيات السلام وأنا أضيف إسم (الشيخ) إلى إسمه .. وأطلقت شفتاه رد السلام .. ثم أتبعه بسؤاله :(أخونا من المجاهدين .. باين عليك) .. وكأنما يقول (سيماهم فى وجوههم) .. ورددت عليه بكذبة لاإرادية وأنا أقول :( نعم من المجاهدين) .. وقد يكون ردى بالكذب لسبب أؤلته على عدم إزالة تلك الإبتسامة الرائعة التى إرتسمت بمحياه بمجرد أن سلمت عليه .. فلو قلته له بأننى لست من المجاهدين .. لإرتسمت على وجهه آلاف الأحزان وهو يسائل نفسه : لما لم يكن فى زمر الجنة ...
وعوداً على بدء .. فقد أتبع إجابتى بنعم أن قال : ( حقكم ما بضيع إن شاء الله .. صبركم ما بروح ) .. فما كان منى إلا أن رددت : إن شاء الله .. ثم فتح باب المصعد ليعلن بكلمات نبى الله الخضر عليه السلام عندما قال لسيدنا موسى عليه السلام :(هذا فراق بينى وبينك) .. وجلبابه الأبيض النظيف والذى لا أعتقد أنه يحاكى دواخله .. يبعث فى دواخلى شعور لا إرادى بالإرتياح .. وقد يكون ذاك الشعور لسببان .. أولهما : قد يكون ذهابه عنى وكأنما أخشى تحمل طول الحوار معه .. والسبب الثانى : قد يكون لصدق شكى فى مثلية جلبابه بدواخله فى كينونة كون الإثنان معاً أبيضان ...
ولكن العبارة عنت لى الكثير .. على أقلاها بمعنى عهداً طويل عمره أكثر من سبعة عشر عاماً .. وجعلنى أسائل نفسى .. عن نبع إنطلاقة تلك العبارة .. ما هو حق المجاهدين والذى تعنى كلماته أنه ضاع بين شقى الرحى .. وأنه على المجاهدين الصبر حتى ينالوا حقهم .. والذى يبدو إن إبتلعه أحد الشقين من وجهة نظره طبعاً .. كتعبير عن ضياع الحق ...
ولكن ما الذى عناهه الشيخ .. او من هم الذين إبتلعوا او أضاعوا حقوقية المجاهدين .. ويبدو لى أن فى نفس الشيخ بصيص من أمل تضاءل مع الأيام عن عودة المياه إلى مجاريها بين المختلفين .. ونفسه تردد ذكر العزيز القهار : ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) .. ولكن فى إعتقادى بزوال أمله او غروبه إلى الأبد .. فيبدو لى أن إلتقاء المفترقان حتى ولو عادت المياه إلى مجاريها فسيكون مثل إلتقاء نهرين بعد تأويل ذكر الرحمن (وبينهما برزخ لا يبقيان) ...
ولكننى لا أستطيع نسيان ما تشع به العبارة من عداء خفى للمتمكن الآن من سلطات الحكم .. بمعنى أنه يميل للتيار المنشق الثانى .. وعلى هذا تلتمع فى ذهنى فضفضات جلبابه الناصع البياض .. هامساً فى عقلى بضدية المظهر للجوهر .. فاتحاً أمام نجدى الآلاف من ابواب الشك .. وعلى قلبى تجرى عبارة ( لليقين باب واحد بينما للشك آلاف الأبواب ) ...
فيبدو لى أن ذاك الشيخ لن يتورع عن فعل ما تستطيع يده .. فى سبيل مبدأين يسبق أحدهما عن الآخر .. فمبدأ عودةالمقال او الغارب خلف تلال اللاعودة أقوى من مبدأ إلتقاء الشريكين المفترقان منذ أمد يبدو لى أن حسابه يمكن أن يجرى بمعدل حساب سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأمد الحين .. عندما سأله الإعرابى عن مدة الحين فقال له : أربعين عاماً .. بتقويم بقاء طينة الإنسان أمام باب الجنة لأربعين عاماً .. ( هل أتى على الإنسان حيناً من الدهر ) ...
ولا أدرى لما تقض مضجعى مسألة الجلباب الأبيض لهذا الشيخ .. فقد يجمح خيالى نحو شعوره بالضغينة والإسفاف تجاه إخوانه الذين كابد معهم مشقة تغيير الحكم ثم تركوه .. دون أن يراعى شعوره الشخصى مبدأ ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) .. وتولد هذا الشعور فى دواخل النفس البشرية يؤدى بها إلى الدرك السحيقة من المشاعر المغبنة التى تؤدى بدورها إلى نشاط قوى للشر مع خمول طويل لجانب الخير فى النفس البشرية ...
فإختلاف الجوهر عن المظهر هو إرتداد طبيعى للشعور الغبنى .. فى حين إشتداد نزعة الخوف من تدهور المظهر الطبيعى للشيخ يجعله يحاول التبييض حتى لا يفقد الحفنة التى تحيط بمبادئه الغاربة على وجه التاريخ .. وكل تلك الأشياء والتدخلات تفرز التفاعل جوهراً أبيض يموج جوهره بالسواد .. مما يجعله يفكر بجدية فى نوع العمل الذى يقوم به .. فالقائد السابق والمحال باكراً للمعاش الإجبارى تنضح نفسه بشعور الغبن .. والذى يجعله يطلق عبارة بمعنى عصر كامل .. فى وجه واحد من العوام .. يظنه إغتال الخوف فى غابات الجنوب .. كما فعل المجاهدين .. وهذا عهد سابق مضى باحزانه وأفراحه ...
ولكننا الآن يبدو أننا مازلنا فى عهد الفرقاء .. وعبارة (حقكم ما بضيع) يبدو أنها الحكم والمسيطر الآن على الساحة الجوهرية والمظهرية ...

و الحمد لله على ما أراد الله



محمد عثمان باعــــو
24/12/2007     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق